بقرار عادل، خرج الروائي جي إم كوتزي، الفائز بجائزة «بوكر» مرتين، من المنافسة على الجائزة لهذا العام. وقد عزز خروجه ثقتي في لجنة التحكيم، التي لم تخضع لتأثير كونه الفائز بجائزة نوبل للعام (2003)، والفائز بالجائزة ذاتها في العامين (1983) و (1999). كما عزز خروجه أيضاً ثقتي فيما يمكن أن اسميهما «ذائقتي الأدبية» و «حساسيتي النقدية». فلم يكن صعباً توقعي خروج روايته (أيام دراسة المسيح) من المنافسة. وأتوقع أيضاً أن كوتزي نفسه لن يسوءه هذا الخروج، ولن يتوجه إلى وسائل الإعلام ليصب عبرها غضبه على لجنة التحكيم، مشككاً في نزاهتها، ومتهماً إياها بتسييس الجائزة، أو بأي نوع من أنواع الانحياز. كما أتوقع أن الصحافة الثقافية في وطنه الأصلي جنوب أفريقيا، أو في استراليا التي منحته الجنسية في (2006)، لن تنبري للدفاع عن كوتزي، الروائي العالمي النوبلي البوكري الذي ظلمته لجنة التحكيم وأساءت لتاريخه الأدبي بابعاده عن القائمة القصيرة. روائي كبير لا يتأهل للقائمة القصيرة. حدث عادي من وجهة نظري، إذ ليس كل ما يكتبه الكبير، يكون «كبيراً» دائماً، أو قد لا يكون «كبيراً» عند مقارنته بأعمال أخرى، سواء من أعمال الكاتب نفسه، أم من أعمال كُتّاب آخرين. وهذا ما حدث في حالة رواية كوتزي الأخيرة. وقد يحدث لأية رواية أخرى لروائي آخر. يقودني هذا الى الكتابة عن المشهد الثقافي المحلي، المدهش دائماً وأبداً بالضجة الإعلامية التي تعقب إعلان قائمتي بوكر العربية الطويلة والقصيرة في كل عام، خصوصاً في حال خلوهما من أسماء روائيين سعوديين. موجة من الاستنكار والتشكيك تجتاح المشهد، مثيرها ومنبعها صحافة ثقافية ليس لديها ما تقدمه سوى طرح الأسئلة المعلبة على أناس متأهبين دائما لتوجيه قذائف الاتهامات إلى لجان التحكيم والجهة المانحة للجائزة، يستفزهم السؤال الذي يتكرر طرحه كل عام وإن بصيغ مختلفة: لم تتضمن قائمة البوكر الطويلة (أو القصيرة) رواية سعودية..ما رأيك في ذلك؟ ويكون الرأي عبوة غضب يفجرها السؤال. لا أعرف العوامل التي ولدّت ورسّخت في أذهان البعض الاعتقاد أنه لا بد أن تتضمن قائمة البوكر-على الأقل الطويلة- رواية سعودية. أو ما الذي غرس في تلك الأذهان اليقين بحتمية ترشيح ولو رواية محلية واحدة للجائزة؟ ماذا يعني خروج القائمة بدون رواية محلية؟ لا يعني شيئاً سوى وجود روايات أخرى أحق منها بالوجود في القائمة. وهذا لا يعني إطلاقاً الحكم بأن الروايات المحلية التي رشحها ناشروها متدنية القيمة الأدبية، أو «سيئة» أو «رديئة»، أو الى ما هنالك من الصفات السالبة التي تلصق عادة بالعمل الأدبي الذي لا يمكن تقييمه قياساً بالمسطرة أو بتحديد خفة أو ثقل وزنه بميزان. لا توجد معايير علمية موضوعية مطلقة صالحة لكل زمان ومكان، يلجأ اليها عند تقييم الأعمال الابداعية لأي جائزة. فما يعول عليه في التحكيم هو ذائقة عضو اللجنة وحسه النقدي، مدعومين بمرجعية ثقافية ومعرفية عميقة في الجنس الأدبي موضوع الجائزة. ما يعني أن الروايات التي ترشحها لجنة معينة، قد لا ترشحها لجنة اخرى. والرواية التي تسقط من قائمة جائزة ما، قد تظفر بالفوز بجائزة أخرى.