رغم وضوح الحقيقة وضوح الشمس في موضوع عناية الإسلام بالمرأة واحترامه لها وحفظه لحقوقها، وما تتمتع به المرأة في المملكة العربية السعودية من حقوق، وما تتحمله من واجبات بدايةً من فرص العمل المتاحة في القطاعين العام والخاص وصولاً إلى قبة أعلى جهة استشارية برلمانية هي مجلس الشورى؛ فإن الأصوات النشاز التي تدعي الحرص على مصلحة المرأة المواطنة وحقوقها ما زالت تواصل التباكي واصطناع المشاركة في المطالبة بحقوق ليست مضيعة ولا غائبة، خاصةً تلك الأصوات التي تأتي معظمها من وراء الحدود ومن بلدان آمنت فيها المرأة بدعوى المساواة حتى أصبحت المساواة في المشقة والتعب هي المقصودة بصراخهم، حتى إن بعض النساء في تلك البلاد ممن أتيحت لهن الفرصة للاطلاع على ما تلقاه المرأة السعودية من رعاية واهتمام في أسرتها وفي وطنها ومن زوجها وأولادها يجاهرن بصراحة بغبطتهن لهذه المرأة. ورغم أن المسؤولين حرصوا في أكثر من مناسبة على الإعلان أكثر من مرة أنه ليس هناك ما يمنع من السماح للمرأة بقيادة السيارة إلا العرف الاجتماعي حينًا والحرص على عدم تعريض المرأة إلى بعض المواقف التي يمكن أن يتعرض لها قائدو السيارات من عطل أو حوادث، خاصةً في بلد مترامي الأطراف مثل المملكة، وأن الأمر عائد للنساء وأولياء أمورهن في هذا القرار. وتأبى المرأة السعودية إلا أن تثبت- في كل حين- أنها شريكة كاملة لإخوانها الرجال حتى في أكثر المجالات حاجة للمهارة والتدريب والاختصاص، وما حصول العديد من النساء في المملكة على الكثير من الإنجازات والمناصب والابتكارات على مستوى العالم إلا بعض الأدلة على ذلك. ولعل في تجربة المواطنة هنادي الهندي، التي استطاعت أن تحقق حلم والدها، الذي كان يود أن يكون طياراً ولم يتمكن لسبب أو لآخر من تحقيق هذا الحلم، فجاءت ابنته لتحقق أمنيته أن يرى نفسه فيها وهي ترتدي لباس الكابتن الطيار مع أن ذلك بعد أن أتمت دراستها بتفوق في تخصص اللغة الإنجليزية، وكان ذلك دافعًا لها للذهاب إلى الأردن الشقيق لتكون أول امرأة سعودية تدرس الطيران، وصولاً إلى تحليقها بالطائرة محققة حلمًا انتظره والدها. الغريب أن الكثيرين انتقدوا هذا الاختيار، وربما يكون منهم من يدعو لقيادتها السيارة لكن ذلك لم يضعف عزيمتها لتواصل مسيرتها وتحصل على الرخصة البريطانية والرخصة الأمريكية ثم الرخصة السعودية للطيران الخاص، وتكون بذلك أول كابتن نسائي سعودي في عالم قيادة الطائرات. تصوروا معي كم كانت فرحة والدها ووالدتها وهما يرافقانها في أول رحلة طيران لها، بل تصوروا معي كيف كانت مشاعرها هي وهي ترى أحلام أبيها وأمها وحلمها أيضًا يتحقق، لا سيما وأن النجاح كما يقولون يولد النجاح فقد صممت بعد ذلك على الحصول على رخصة الطيران التجاري مع أن كل الدلائل أمامها كانت تشير إلى ضعف الفرصة لعملها كامرأة في مجال الطيران لكن حصولها على الرخصة السعودية ولقيادة الطائرات من هيئة الطيران المدني، والفرصة التي أتيحت لها بقيادة طائرة سمو الأمير الوليد بن طلال بددت هذه المخاوف، بعد أن كان سموه قد عرض عليها الدعم المادي والمعنوي أثناء مسيرتها ورحلتها للحصول على رخصة قيادة الطائرات، التي استطاعت الحصول عليها عام 2013 م لتكون تتويجًا لرحلة هذه الفتاة السعودية النموذج. المرأة السعودية أيها المتباكون على حقوقها تعرف طريقها وتشقه بنجاح يقف معها المسؤول ويقف معها الأب والأخ والزوج والمجتمع بأكمله، وهي تعرف خياراتها وتعرف ما يفيدها وينفعها وما تأخذه وما تتركه.. انشغلوا بما تعانيه المرأة في بلادكم من أنواع التمييز، وما يفرض عليها من أعمال ومسؤوليات، وانظروا لتخلي الأزواج والآباء عن المسؤولية وتحميلها للنساء لتعمل مضطرة لا مختارة وفي مجالات لا تناسب طبيعتها.. قيادة السيارة ليست أكبر هم المرأة السعودية.. فهي قائدة في كل مجالات عملها، بل وبكل كفاءة.. وهل تعجز من تقود الطائرة عن قيادة السيارة.. ثم هل يمنعها من قيادة السيارة على الأرض من مكنها من قيادة الطائرة في الجو!.. ليس الأمر كما تتوهمون، بل هو ما تراه المرأة في صالحها وتصلح به أحوالها ومجتمعها ووطنها.