في مقالات سابقة طرحت أهمية وضرورة فعالية وتفعيل دور الدبلوماسية الشعبية بالتوازي مع نظيرتها الرسمية، خاصة في عالم اليوم الذي تعصف به كثير من المتغيرات المسببة للعداءات التي تحتاج إلى فتح مزيد من النوافذ في العلاقات الدولية وعدم استكمال العداءات إلى نهايتها، فالتجارب علمتنا أنه لا يمكن إغلاق كل الأبواب مهما طال الزمن، ولا بد أن تحدث في فترة تاريخية ما تقاطعات مصلحية لدولتين أو شعبين ينبغي معها فتح المسارات وتجديد أدوات الارتباط الدبلوماسي والسياسي بينهما. الدبلوماسية الشعبية أثبتت كفاءتها في الحفاظ على العلاقات الشعبية بين كثير من دول العالم التي واجهت عداءات رسمية امتدت لسنوات طويلة وخاضت خلالها حروبا قاتلة وعنيفة وقاسية، ولكن كانت الحكمة أن تكون هناك نوافذ ومسارات خلفية مفتوحة، تعمل على ترميم شقوق الدبلوماسية الرسمية، وهذا ما فعلته الدبلوماسية الشعبية التي أعادت علاقات الولاياتالمتحدةالأمريكية مع الصين بفعل تأثير دبلوماسية ما يسمى (البنغ بونغ)، وايضاً بعد عقود من العداء تمكنت الدبلوماسية الشعبية الأمريكية من إعادة العلاقات الكاملة مع كوبا، وهناك حالة الكوريتين الشمالية والجنوبية، والصين واليابان، والهند وباكستان، وغيرها الكثير من دول العالم التي نجحت في أن تمارس دبلوماسية شعبية أو تسمح باتصالات غير رسمية بين شعبي بلدين تسهم في مرحلة تالية في تحسين العلاقات المتوترة أو الباردة والعمل على تدفئتها ووضعها في مسار المصالح والتعاون المشترك الذي يعم بخيره على بلدين أو أكثر. بالنسبة لنا كخليجيين لم نفعل الدبلوماسية الشعبية في علاقاتنا مع دول وشعوب العالم كما ينبغي، وليس بالضرورة أن تكون هناك توترات حتى تتحرك وتنشط الدبلوماسية الشعبية، وإنما يمكنها أن تنشط في كل الأحوال بحيث تحافظ على علاقات تاريخية مع الآخرين وتمنحها مزيدا من قوة الارتباط الذي يقاوم عوامل التعرية السياسية. الدبلوماسية الشعبية ستعكس للعالم قيمنا الشعبية المتمثلة بالصبر والتسامح ونبل الأخلاق وصفاء النفس التي يتحلى بها المواطن الخليجي، بما يجعله يقدم رسالة إنسانية سامية للآخرين، ولذلك ينبغي اغتنام التوافق الخليجي القائم بين حكومات الخليج وشعوبها، وتقديم أنفسنا - للعالم - بكل خيريتها المعهودة. يكفي أن نرى مئات الآلاف من غير المسلمين يعتنقون الإسلام على ايدي مواطنين خليجيين، وذلك من واقع ما يرونه من يقين وترابط إنساني خليجي فاضل ونبيل، وتلك الصورة ما يجب أن تقدمه الدبلوماسية الشعبية حتى نعرف الآخرين بقيمنا وحضارتنا وعقائدنا التي تهذب أنفسنا وتجعلنا أكثر إنسانية ونبلا وخيرا. الدبلوماسية الشعبية تحتاج الى تنظيم وتحديد من يقومون بالأدوار الداعمة لأهداف هذه الدبلوماسية والانفتاح على الآخرين برؤية وأفكار جديدة عن كل مكوناتنا والبقاء في حالة ترابط تفيد صالح الشعوب وتحمي علاقاتها من أي مهددات أو مخاطر سياسية واقتصادية محتملة، ولعلنا في مقبل الأيام نباشر تدبيرا لإطلاق منظومة تؤسس لدبلوماسية شعبية تليق بحضورشعوبنا ودولنا الخليجية دولياً.