مما لا شك فيه ان التواصل بين الشعوب في هذا الزمان اضحى اكثر إلحاحاً من ذي قبل، ذلك لِما لتطور علاقة الشعوب بعضها البعض من فعلٍ إيجابي ذي أثرٍ فعّال في استقرارها، ولقد برزت الدبلوماسية الشعبية في العصر الحديث كآلية فاعلة من خلالها تتم إدارة العلاقات الخارجية بين الشعوب، وهي أي الدبلوماسية الشعبية ليست بديلاً للدبلوماسية التقليدية، بل تأتي دعماً وسنداً لها، وهي تُعتبر احد فنون إدارة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الشعوب المختلفة والتنسيق فيما بينها بما يمكن من تفادي أي خلاف قد يقع بينها. ذلك أنّ الوظيفة الدبلوماسية أياً كانت تقليدية ام شعبية ينبغي ان ننظر اليها كوظيفة ادارية وليست وظيفة سياسية، وبالتالي فإن الدبلوماسية الشعبية لها من المساحة الواسعة التي يمكن لها ان تتماهى فيها بما يمكّن من تحقيق أقصى نتائج النفع والفائدة للدول وشعوبها على حد السواء، وبالطبع تتعدد أنواع النشاط الدبلوماسي وتتشابه في كثير من الأحيان، كما انها تشترك مع بعضها سواءً كانت دبلوماسية رسمية ام دبلوماسية شعبية، ذلك عن طريق وسائل الإعلام باعتبار ان هذه الوسائل تمثل أداة للتواصل الأكثر أثراً وتأثيراً، وبما تيسره من إمكانية مخاطبة شعوب الدولة الأخرى من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك الامر عن طريق المنظمات غير الحكومية باعتبارها منظمات ذات طابع شعبي، ويهدف من هذا النوع من الدبلوماسية التأثير في معنويات الشعوب الأخرى ومحاولة توجيه الرأي العام فيها بما يحقق الهدف المعين وترسيخ العلاقات بين الشعوب بعضها البعض بما يمكن من تعاونها وتقارب وجهات النظر فيما بينها وتبادل الخبرات. إنّ مسألة الحصانات والامتيازات لدى الدبلوماسية الشعبية ظلت تواجه الكثير من الإشكاليات التي قد تتسب في التعقيد بين القنوات التنفيذية لهذه الدبلوماسية في كثير من الأحيان. ذلك انه ومن المشهور أن الدبلوماسية الشعبية في بعض النظم لا يوجد لديها حصانات وامتيازات حتى لا يتعارض مثل هذا الامتياز مع مبدأ المساواة وأسس الدبلوماسية الشعبية، حيث يرى البعض أن التمتع بالحصانة لفئة معينة من الشعب تحول دون الاتصال بين الشعوب وبالتالي تفرغ الهدف من محتواه. وبالرغم من ان الدبلوماسية الشعبية تجد لها سنداً معتبراً في القانون الدولي، وقد ورد في الفقرة الرابعة من اتفاقية فيينا للنظام الدبلوماسي، ما نصه: (الهدف من الحصانة الدبلوماسية ليس التمييز بين الأشخاص ولكن ضمان الانجاز الفعال للوظائف والمهمات التي تقوم بها الدبلوماسية عن طريق ممثلي الدول). الا أنّ مصلحة الوظيفة في ظل الدبلوماسية الشعبية اقتضت إلغاء هذه الحصانات والامتياز باعتبارها تقف عائقا أمام قيام علاقات دبلوماسية مباشرة بين شعوب العالم وتشكل حاجزا بين البعثات الدبلوماسية وبين شعوب الدولة المضيفة. ذلك انه ومن الثابت أن الفكرة الأساسية للدبلوماسية الشعبية تقوم على أن العلاقات الدائمة هي بين الشعوب وليست بين الحكومات ولكن نجد أن هذا الامر يتجلى في الناحية النظرية، دون الناحية العملية، حيث نجد الواقع مغايرا لذلك، ولم يحن الوقت بعد لكي تتحول العلاقات من بين الحكومات إلى علاقات بين الشعوب. ونجد اليوم ان النظم السياسية الحصيفة أصبحت تهتم اهتماماً كبيراً لتطوير آليات الدبلوماسية الشعبية لما لها من كسب وعائد إيجابي في الاستقرار الأمني والاقتصادي على السواء. كما أنّ الوعي بأهمية التقارب من الآخر جعل الشعوب تتلمس مصالحها من خلال ترقية حسن سير التعامل مع الأفراد في كلا الحالين سواء كان هؤلاء الافراد داخل ام خارج الدولة التي يقطنون فيها، ذلك ان كل فرد خارج وطنه هو سفير يؤثر ويتأثر بما يُعامله به الآخرون وبما يتعامل هو به حيالهم، وكذلك الحال في داخل الوطن، وفي كلا الحالين فهي دبلوماسية شعبية يساهم الوعي بها في نشر الصداقة مع الشعوب الأخرى بما يفضي الى السلام المنشود.