إن لكل قرار قوة جذب فاعلة يكتسب منها قوته الدافعة من مكونات آلياته التنفيذية التي تعطي بنود القرار وقودا يحرك بها الإجراءات نحو بلوغ أهداف القرار، فكلما كانت تلك الآليات واضحة وسلسة كان التنفيذ أدق وأشمل وأسرع في الإنجازات. فعندما يصاغ القرار ويراد له التطبيق فلابد من أرضية يرتكز عليها للنفاذ، فمهما كانت شرعيته فلا يصل إلى حيز التنفيذ حتى ولو خلصت النوايا وتضخمت الأحاسيس بالرغبة في التطبيق، فالمسألة لا تدعمها العواطف ولا تستند إليها المواطنة، فالقرار وسيلة والتطبيق غاية والغايات النبيلة التي يعنيها متخذ القرار يحدوه الأمل في نيل المرام بإمكانية التطبيق. فمثل قرارات السعودة والوحدة الجمركية بين دول مجلس التعاون الخليجي والقرارات التي تخص التستر والتعليمات التي تخص بيروقراطية الأجهزة الحكومية وكل جهاز يبرئ نفسه منها مستشهدا بلجانه المشكلة لكل قضية ذات بحث معلق التنفيذ وتتفرع منه لجان ذات جزئية فرعية وتدور في حلقة حلزونية لتعود لأصل القضية. وكذلك التوصيات التي تنادي بدعم المنشآت الصغيرة والصادرة من مجلس الغرف التي لم تحدد حجم المنشأة المقصودة بالدعم أو آليات ذلك الدعم ووسائل تنفيذه والجهات المسئولة عنه، والندوات التي تعقد لتطوير المناهج والحوارات التي تخص مشكلة الإسكان وغيرها الكثير من الحوارات والندوات التي تنم عن الرغبة الصادقة في حل المعضلات التي تواجه المجتمع. وأنا لا أشك في مصداقية هذا المنحى، ولكن فقط أتساءل عن القصور الواضح في إيجاد آليات التنفيذ التي دائما ما تكون الكابح الحقيقي لصور الإنجاز وعدم اكتمالية المشروع، ما يستدعي عمليات ترقيع تجميلية لا تحقق المنشود من الفكرة الأصلية للمشروع في مختلف مراحله. ولو أخذنا بالمقياس قرار سعودة الليموزين وما طرأ عليه من عوائق أجلت تطبيقه، وكذلك سعودة أسواق الذهب، ولا انسى أن اذكر بالمشكلات التي ظهرت عند تطبيق السعودة في سوق الخضار وما نشأ عنها من عمليات تستر جديدة وسعت الرقعة للعاهة المستديمة التي أخذت نصيبها من النقاشات بدون نتائج. وفي اعتقادي أن مشروع السعودة يحتاج إلى تشريح جزئياته التكوينية؛ لمعرفة أركانه التأسيسية مثل مخرجات التعليم وبيئة العمل من لوائح تنظيمية ووصف وظيفي والأهم منها الأنظمة كنظام العمل والعمال ونظام التأمينات الاجتماعية ونظام الخدمة المدنية ونظام الخدمة العسكرية، وكذلك متطلبات سوق العمل والبيئة الاجتماعية والتركيبة السكانية للمجتمع السعودي. فلو نظرنا إلى عملية إصدار الشيكات بلا رصيد والتي تعارضها كل الأنظمة المعمول بها في المملكة ومعروف أن أطراف الشيك تتمثل في الساحب والبنك والمستفيد ومؤسسة النقد ولجنة الأوراق والحقوق المدنية والمحاكم، إلا أن آليات التصدي متداخلة بينهم مما جعلها تصنف في خانة المشاكل التي تعيق انسيابية العمل بشيك. وهناك المساهمات العقارية المتعثرة لعدة سنوات ولم تحل فلها نفس سياق الإعاقة في آليات التنفيذ، وكذلك منازعات حوادث المرور والتي تتولاها شركة نجم والمرتبطة مع التأمين لتحديد نسبة التحمل للحادث وبعدها المرور للاسراع في البت وإن كان هناك خلاف بين الاطراف فالحقوق المدنية والمحكمة دون آلية للربط بينهم لإنهاء الخلاف، حيث إن المرور يعطي مرئياته، فلو احتج أحد المتنازعين فيحال الأمر إلى الحقوق المدنية؛ لانفاذ موجبه، فيواصل المعترض في احتجاجه بطلب الحكم الشرعي فيحالان إلى المحكمة وتبدأ القضية من المربع الأول. وعليها يمكننا قياس بقية القضايا التي تخص معظم مناحي حياتنا اليومية وخاصة الاقتصادية منها، فكلها تسير بحسن النوايا دون آليات محددة سلفا يعرفها كل ذي شأن سواء أكان جهة التنفيذ أو المستفيد أو المنجز.