الأغلبية الساحقة من المشاركين في استطلاع بيو للأبحاث مؤخرا، «70 في المائة»، يعتقدون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون سيئا بالنسبة لأوروبا، إن الأمر ليس بتلك الصعوبة، ولكن إذا أردنا تقديم الحجة المضادة - فإن خروج بريطانيا سيفتح الفرص التي من شأنها أن تدفع شعبية الكتلة للانتعاش في الدول الأعضاء الأخرى. دعت صحيفة «لا ليبراسيون» الفرنسية مؤخرا الناخبين البريطانيين إلى التصويت للمغادرة، معتبرة أن هذا من شأنه أنه سيكون في نهاية المطاف أمرا جيدا للاتحاد، إذا كانت المملكة المتحدة ستبقى في الاتحاد، كما تجادل افتتاحية الصحيفة، فإنها ستواصل المطالبة بتنازلات واستثناءات وتهدد الاتحاد الأوروبي بالتفكك، الأمر الذي يقوض من عزيمة قادتها على المضي قدما في الحلم الفيدرالي، لكن إذا خرجت بريطانيا فإن ذلك من شأنه أن يهز الاتحاد الأوروبي من «جموده» ويشجع قادته على التحرك لتجنب الوقوع في تفتت مميت، هذه صرخة من القلب: «يا لها من شجاعة متناهية، أيها الأصدقاء الإنجليز! اسمحوا لأنفسكم بأن تقتنعوا بما يقوله لكم القادة الرائعون مثل نايجل فاراج أو بوريس جونسون، الذين في أعماقهم لا يريدون إلا الخير للأوروبيين، وهذا وعد، سوف يسمح لكم بالعودة بعد 20 عاما. لكن من خلال شروطنا، بطبيعة الحال، مع التفاف الحبل حول رقابكم وأنتم ترتدون جلابيب التائبين - وهذا ثمن قليل يدفع لإنقاذ الحلم الأوروبي. لكن هذه الحجة تعاني من مشكلتين، الأولى: هي أن نتائج الاستطلاع لا تظهر أنها تقدم أي أساس لمزيد من الفيدرالية الأوروبية، الجميع يعرف أن البريطانيين يتعرضون للتعذيب بسبب أوروبا، ولكن كذلك هي الحالة مع العديد من هؤلاء في القارة، وفقا لاستطلاع بيو. المشكلة الأخرى: هي أنه عندما يتحدث السياسيون مثل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عن أن الجدل المتعلق بمغادرة بريطانيا من الاتحاد يخلق فرصة «لإعادة تأسيس» أوروبا، فإنه من غير الواضح لماذا سوف يكون الاتحاد المجدد أفضل بكثير من القديم، رؤية ساركوزي - وبعض أنصار «إعادة التأسيس» الآخرين - تدور حول زيادة الأمن وتقليل حرية تنقل الأشخاص. على ما يبدو هذا نوع من الاستغلال والاستفادة من العوامل السياسية: يظهر استطلاع بيو أن الأغلبية الساحقة في معظم البلدان الأوروبية غير راضية عن تعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمة اللاجئين في العام الماضي، ولكن الناس لابد أن يتساءلوا عما يمكن للاتحاد الأوروبي القيام به في ذلك المجال ولا تستطيعه الحكومات الوطنية. الآخرون الذين يرون أن مغادرة بريطانيا هي فرصة لا يزالون يتحدثون عن أوروبا ذات السرعات المتعددة أو الدوائر متحدة المراكز - وهذه ليست رؤية متماسكة أو مقنعة لأي شخص خارج دائرة صغيرة من الخبراء. الفرصة التي تخلقها مغادرة بريطانيا هي على مرتبة مختلفة من حيث الحجم، إنها لإعادة التفكير جذريا في الاتحاد الأوروبي وفي جميع المنطق الداعي للتعاون، من الواضح من استطلاع يوروباروميتر الذي أجري مؤخرا والذي يشير إلى أن المشاعر الوطنية في الاتحاد الأوروبي ليست قوية - ولكن الناس في معظم دول التكتل يشعرون بأنهم أوروبيون. دعم المشروع الأوروبي هو أكثر تعقيدا مما قد تشير إليه سذاجة حملات البقاء، والمغادرة في المملكة المتحدة. أولا، في معظم البلدان، الأغلبية لا تدعم إعادة الصلاحيات إلى الحكومات الوطنية. ثانيا، التقارب بالنسبة لأوروبا هو أعلى من مؤسسات بروكسل التي تمثل القارة، وهذا يشير إلى أنه في حين أن معظم الأوروبيين لا يزالون يعتبرون أنه شيء مناسب بدلا من اعتبار أنه كارثة غير مشروطة، فإن الاتحاد الأوروبي الحالي لا يمثل بشكل كامل هويتهم الأوروبية. هناك على الأرجح مجال في قلوبهم لتصميم أفضل للاتحاد، مع جميع مزايا الاتحاد الأوروبي الحالي، وأعظم ما فيه، وفقا ليوروباروميتر، السلام وحرية تنقل الأشخاص. أكبر مشكلة للاتحاد الأوروبي الحالي هي أنه ينظر إليه على أنه عملاق بيروقراطي عازم على تنظيم كل جانب من جوانب الحياة في الدول الأعضاء، من ارتفاع كعب مصففة الشعر (ليس صحيحا تماما) إلى طاقة المكانس الكهربائية (هذا صحيح، على الرغم من محاولات الاتحاد الأوروبي الجادة لانتحال الأعذار)، في اليونان، وربما أكثر دولة في الاتحاد الأوروبي مصابة بالرهاب اليوم، يُنظَر إلى الكتلة أيضا على أنها غير ديمقراطية. هناك شيء معين في الفكرة التي تقول: إن خروج المملكة المتحدة من شأنه أن يخلق فرصة لرؤية جريئة من شأنها أن تجعل الاتحاد قابلا للنجاح، الغرض من هذه الرؤية هو التأكد من أن الأوروبيين يفهمون الكيفية التي تمثلهم بها أية نقابة وتقف من أجل مصالحهم، البرلمان الأوروبي هو المؤسسة الوحيدة المنتخبة للاتحاد، سلطاته محدودة جدا بالنسبة لمعظم الأوروبيين بحيث إنهم لا يلاحظون وجوده، الإقبال على الانتخابات الأوروبية يعتبر أقل بكثير من الإقبال على الانتخابات الوطنية، والناخبون يبدون اهتماما أقل بكثير بمن يفوز، ويسلمون الانتصارات للقوى الشعبوية مثل الجبهة الوطنية في فرنسا. المفوضية الأوروبية، التي تقترح معظم قانون الاتحاد الأوروبي، غير منتخبة، والعملية التي يتم من خلالها تشكيلها تعتبر غامضة بالنسبة إلى شعوب أوروبا، فهم يجدون أن من الصعب أن يفهموا السبب في أن يدفعوا الضرائب لكيان لم يمنحوه السلطة مباشرة - وهذه واحدة من القضايا التي أثارتها حملة مغادرة بريطانيا. إن إخفاق حملة الخروج ربما يعمل على تجميد الوضع الحالي، لكن إذا خرجت بريطانيا فعلا فإن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى خطة إنقاذ، ولعل الديمقراطية هي الشيء الذي يحتاجه بالضبط.