طال بحث أحدهم عن حكيم موثوق يستشيره في بعض مخاوفه، وسافر طولا وعرضا ليصل أخيرا إلى كوخ بسيط على قمة الجبل لمعلم متنور. رحب به المعلم وأومأ له بالجلوس والانتظار ريثما يغلي الماء لإعداد كوب الشاي، لكن التلميذ كان نافد الصبر ومتعطشا لطرح أسئلته والحصول على اجابات حاسمة تريحه وتضع حدا لمعاناته، وكلما ازداد توتره ازداد بطء غليان الماء. جهز الشاي أخيرا، وتناول التلميذ الكوب بيد مرتعشة من فرط تلهفه، بينما أخذ المعلم يَصب له الشاي حتى امتلأ الكوب، لكنه واصل حتى بدأ الشاي ينسكب خارجا من الكوب ويلمس يد التلميذ الذي صاح مندهشا؛ ماذا تفعل؟ أجابه المعلم: هذا هو حالك تماما، ممتلئ بنفسك وآرائك وأسئلتك ورغباتك، فكيف ستستقبل أي شيء مني إذا كان كوبك ممتلئا؟ أفرغ كوبك أولا. تدور حياة الكثير منا حول الكنز والأخذ والتعلق، وبالرغم من هذا العالم الواسع اللامتناهي حولنا فنحن ممتلئون بمخاوفنا، ومتعلقون بتصوراتنا المقيدة لحد يَصعب علينا الحركة معه، ويجعلنا نجلس مرتعشين متلهفين أمام أي معلم في انتظار جواب ما يحمل السحر لحياتنا. يكافح معظمنا ضد حقيقة الزوال وعدم التبدل، رغم أننا نأتي الحياة فارغي الأيدي، لكن التعلق بالأم و الشعور بملكيتها التامة يبدأ منذ اللحظة الأولى، ويواصل التعطش نموه أكثر فأكثر وعلى مستويات أكثر دقة، وعندما يأتي التغيير نراه كشرير لعين يريد أخذ الحلوى منا. تكافأ خبرة التغيير لدى معظم الناس بمفهوم الخسارة، فهناك فترة حداد نفسي تُمارس بداخلنا عند مغادرة أو فقد شيء ما، و خلال تلك الفترة لا يسمح الكثيرون لأنفسهم بالترحيب بأي ضيف جديد قادم لحياتهم، متجاهلين الهدايا الجديدة التي يحملها التغيير من التجدد وشباب الروح، لذلك يزداد التصلب في أسلوب الحياة لدى كبار السن، فتصبح الحياة أضيق، فيقل عدد الناس الذين يقابلونهم والأماكن التي يزورونها، وتتناقص طاقة الحياة في نفسياتهم متسببة لهم بالمزيد من الأمراض. إذا واصلنا قضاء حياتنا كلها محاولين الحفاظ على كل شيء فلن ينمو لدينا مهما حاولنا سوى العجز وانعدام الأمل، فكلما ازداد إحكام قبضتنا سحقنا أي شيء يقع في يدنا، وعملية السحق هذه سواء أكانت علينا أم على الآخرين هي منبع الألم الذي نختبره لمقاومتنا لتدفق الحياة، وحين نحرر قبضتنا فلا نتمسك أو نتعلق نصبح منفتحين أمام خزائن الكون التي لا تحصى.