لسنا مبالغين أو حتى مدّعين.. وما سأكتبه هو الحقيقة.. فعبر زيارات كثيرة كانت تتوافق مع شهر الخير رمضان لبلدان إسلامية غير عربية كنت أجد شيئا مختلفا تماما في التعامل مع رمضان غير ما لدينا.. وكأن لهم رمضانهم ولنا رمضاننا!. أما كيف؟ فمن خلال تعاملهم الحقيقي الذي أمر به الله ورسوله مع هذا الشهر الذي فضله الله على سائر الشهور، وهنا لن نجادل بأن كل مسلم وغير مسلم أيضا يرى أن رمضان للمسلمين هو شهر الهدف منه الاكثار من عمل الخير والتقرب الى الله.. لذا لن نختلف في المعنى السامي للشهر هذه هي حقيقة شهر رمضان، التي يدركها كل من برأسه عقل، أما لدى كثير منّا نحن العرب المسلمين فالأمر مختلف جدا، فصيام الشهر عمل قائم ولا جدال فيه، لكن هل الأمر معني بالصوم عن الطعام والشراب فقط؟!. ما نلاحظه الآن وعبر زمننا الجاري أن هناك فضائل وعبادات مطموسة ومغيبة، فلدى كثيرين هو شهر اللهو والمتع سواء بالطعام أو الفكاهة والسهر، فخلاله حدّث ولا حرج فالإعلانات الخاصة بما تشتهي الأنفس من طعام يحضر وبقوة خلال هذا الشهر الكريم، ناهيك عن أن المسلسلات الكوميدية والدرامية المكلفة جدا تحضر أيضا خلاله، ولدى بعض العرب والمسلمين خيام الرقص وما يصاحبها من عادات وأخلاق سيئة تكون خلاله. اما لدى بلاد المسلمين البعيدة كما هي في آسيا فالأمر مختلف جدا هو شهر للعبادة وقراءة القرآن ولا تكاد تجد احدهم يحيد عن هذا، وفق ثقافة ترسخت فيهم من جراء أخذهم بالمعنى الحقيقي للصوم وشهره.. نعم نحن كنّا كذلك مع الشهر العظيم.. لكن تبدلنا والأمر ينطبق على بلاد العرب جميعا التي طغى على كثير من أهلها جعل الشهر للأكل والسهر والاستمتاع الذاتي. لم نكن كذلك كنّا نتبع هدي الرسول العظيم فيه لكن تبدلنا ليحضر رمضان ونتساءل هل هو رمضان الذي نعرفه؟ بل نقفز الى سؤال أهم فحواه ما الذي نريده من رمضان وماذا يريد منّا؟ الآن نحن أردناه شهرا لاستعراض اشهى الطعام وليتنا اكتفينا بذلك بل نتسابق لجعله ميدانا للتباري على عرض المسخرة والابتذال ومحاولة الاضحاك ولو على حساب المبادئ والاخلاقيات. وأصدقكم القول إن جعل رمضان محل ترفيه هو شأن لبلاد العرب ليس إلا؟.. أقول ذلك وأجزم به بعدما سافرت وقرأت وسألت واطلعت على بلدان مسلمة غير عربية كثيرة، لتكون الإجابة مفرحة بقدر ما هي مؤلمة لواقعنا كعرب مسلمين، هي مفرحة لأن أولئك المسلمين من غير العرب أو من العرب الذين يتواجدون في البلدان غير المسلمة يرون في الشهر الفضيل فرصة العبادة والتقرب، هم يجدون فيه متسعا لمناجاة الخالق، هم يقتربون أكثر من القرآن، ولديهم فرص لارتياد المساجد وضبط النفس لتتلاءم مع الحكمة من الصوم، هم بعيدون كل البعد عن إسقاطات التلفزيونات، وجرائم الخيام التي أطلق عليها كيدا وجورا الخيام الرمضانية، يبحثون خلاله عن الاستزادة من الخير، وبلاد العرب تجد فيه مزيدا من التخمة والشراهة في السهر والضحك. لقد اسرفنا كثيرا، وليتنا نتعلم حتى من المسلمين غير العرب الذين يقيمون بين ظهرانينا، كيفية التعامل مع الشهر الفضيل... تقبل الله منّا ومنكم.