في الأسبوع الماضي، ألقى دونالد ترامب خطابا جاء في وقته المناسب، يرسم من خلاله سياساته المتعلقة بالطاقة. في ذلك اليوم، ولأول مرة منذ ستة أشهر، وصل النفط لسعر 50 دولارا للبرميل، وكان هو في ولاية داكوتا الشمالية، التي تنتج كمية نفط أكبر من أي ولاية أخرى عدا تكساس. رحب الجمهور هناك بدعواته لزيادة إنتاج أنواع الوقود الأحفوري، وإلغاء وكالة حماية البيئة، ورفع القيود الفيدرالية المفروضة ضد عمليات الحفر في المناطق المغمورة وعلى الأراضي العامة. وقال: إن نهجه من شأنه أن يحقق ثروة مفاجئة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي إلى درجة «أننا سنبدأ في التسديد التدريجي للديون التي بلغت قيمتها 19 تريليون دولار، وتخفيض الضرائب والعناية بنظام الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية لدينا»، ناهيك عن بناء الطرق والجسور والمطارات. لكن، إذا كان لنهج ترامب أية آثار، فإنها ستكون آثارا عكسية. فهو سوف يشجع إنتاج كميات كبيرة الوقود الأحفوري إلى درجة أن الأسعار سوف تتهاوى، لا أن ترتفع. وحين يقوم بإلغاء اللوائح التنظيمة التي ترغم أسعار الوقود الأحفوري على احتساب تكلفة التلوث، فإنه سوف يعمل أيضا على الإخلال بالسوق الحرة ويعرض للخطر التطورات التي تم إحرازها والتي يمكن أن تساعد في تمهيد الطريق أمام النمو الاقتصادي الأمريكي في المستقبل. أضف إلى ذلك تعهدات ترامب المتعلقة بسياسة الطاقة، وسترى أن من الواضح أنه يريد إغراق السوق المحلية بالوقود الأحفوري. فهو يعِد بإلغاء أية قاعدة بيئية تهدد فرص العمل. كما أنه سيوافق أيضا على تشييد خطوط الأنابيب، وإزالة الحواجز أمام صادرات الطاقة، وإحياء صناعة الفحم، وتجاهل الالتزامات الأمريكية الواردة في معاهدة التغير المناخي في باريس. بعبارة أخرى: واصلوا الحفر دون توقف أيها الناس. كما شهدنا ما حصل للنفط خلال العامين الماضيين، عملت زيادات العرض السريعة جراء طفرة النفط الصخري على خفض الأسعار إلى 26 دولارا للبرميل الواحد من أصل 100 دولار في منتصف عام 2014. عشرات شركات الاستكشاف والإنتاج الصغيرة عانت من الإعسار في تسديد التزامات ديونها، وتم إغلاق مئات من آبار النفط. تراجعت أسواق الأسهم عالميا في الوقت الذي عمل فيه انخفاض الأسعار على تغذية التصور بأن النمو يمر في حالة تباطؤ جنبا إلى جنب مع الطلب على السلع والخدمات الأخرى. المغزى ليس أن السياسة الأمريكية ينبغي عليها استهداف الحفاظ على إمدادات الطاقة في مستوى أعلى أو مستوى أقل. لاحظ أن انخفاض الإمدادات (وبالتالي ارتفاع الأسعار) لأنواع الوقود الأحفوري من شأنه أن يزيد من قدرة طاقة الرياح والطاقة الشمسية على التنافس، ومن شأنه أن يساعد في خفض انبعاثات غازات الدفيئة. لكن السياسة التي يكون هدفها الظاهر هو زيادة وتعزيز الإمدادات، كما تبدو رغبة ترامب، من شأنها أن تعمل على خفض الأسعار بشكل يكاد يكون مؤكدا، ما يتسبب حتى بالمزيد من الانهيار في النفط أكثر مما تعرضت له الولاياتالمتحدة حتى الآن. كما أن وعد ترامب بإنعاش صناعة الفحم قائم أيضا على سوء فهم للدور الذي تضطلع به الأسواق في استخلاص الفحم من باطن الأرض. صحيح أن إدارة باراك أوباما استخدمت الأنظمة البيئية لكي تجعل عملية حرق الفحم من أجل الحصول على الكهرباء أقل جدوى من الناحية الاقتصادية. والهدف من القوانين البيئية، مثل «خطة الكهرباء النظيفة» التي وضعتها وكالة حماية البيئة، الخاضعة الآن لعملية مراجعة من قبل المحكمة، هو إرغام أسعار الفحم على احتساب تكلفة التلوث. لكن الذي يعمل بالفعل على دفع الكساد في سوق الفحم هو طفرة الغاز الصخري. وبسبب تكنولوجيا التكسير والحفر، يكون الغاز الطبيعي وفيرا جدا لدرجة أنه يعمل على حرمان الفحم من الحصة السوقية لمدة تقارب السبع سنوات حتى الآن، قبل فترة طويلة من إدخال القواعد الخاصة بمعامل توليد الكهرباء، التي فرضتها وكالة حماية البيئة. تشجيع المزيد من صادرات الغاز الطبيعي المسال، الأمر الذي يقول ترامب إنه يفضله، ربما يدعم حجة الفحم وذلك عن طريق رفع أسعار الغاز المحلية قليلا. لكن السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال تتعرض منذ الآن للمتاعب من حيث استيعاب الإمدادات المتاحة. ليس فقط أن سياسات ترامب الخاصة بالطاقة تسيء فهم العرض والطلب في هذه السوق. بل يبدو أنه يصيبها بالشلل، ويسمح لمسؤولي الصناعة بإعادة صياغتها من جديد. كما ورد في شركة إس إن إل للطاقة، قال روبرت موراي، الرئيس التنفيذي لشركة موراي للطاقة، إنه حث ترامب مؤخرا على تفضيل رفع العقبات التي تعترض افتتاح مرافق التصدير الخاصة بالغاز الطبيعي المسال من أجل الحد من وفرة الغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدة. كان ترامب موافقا على هذه الفكرة، لكنه سأل بعد ذلك: «ما هو الغاز الطبيعي المسال؟» بحسب ما قال موراي، الذي يدعم ترامب. إن محاباة ترامب لبعض المصالح المترسخة المتعلقة وتفضيلها على السوق الحرة يمتد أيضا ليشمل موقفه من الإيثانول. في الوقت الذي كانت تغطي فيه حملته الانتخابية ولاية آيوا في يناير، قال إنه يفضل القرار الفيدرالي الذي يفرض إضافة الإيثانول للبنزين. إذا كان ترامب يفضل بالفعل الأسواق الحرة، فإنه سوف يرى أن القرار الفيدرالي وكأنه إعانة حكومية لمزارع ومصانع معالجة الذرة - كما أنها آلية تشوه الأسعار أيضا. من خلال تحويل الذرة لإنتاج الوقود، تعمل الولاياتالمتحدة على رفع أسعار الذرة الخاصة بمنتجات الطعام الأخرى وفي النهاية المستهلكين. أما بالنسبة للحجة البيئية المتعلقة بالإيثانول، فهذه تلاشت عندما أظهرت البحوث أنها ربما لا تعمل على تقليل انبعاثات غازات الدفيئة كما كان معتقدا في السابق. ثم هنالك قضية الطاقة المتجددة. في هذا السياق، يدعي ترامب أن لديه بعض الخبرة. قال يوم الجمعة: «أعرف الكثير عن الطاقة الشمسية»، مضيفا: «إنها باهظة الثمن. عندما تكون فترة استرداد التكاليف هي 30 عاما، فلن يكون هذا أعظم شيء في العالم». كما أضاف إن طاقة الرياح لا تعمل بشكل فاعل من دون «إعانات ضخمة». إنه بحاجة لتحديث معلوماته. حيث إن أسعار الطاقة الشمسية آخذة في التراجع وبسرعة. وتبلغ تكلفة اللوح الشمسي حوالي نصف دولار لكل واط، بعد أن كانت حوالي 10 دولارات للواط الواحد في التسعينيات. وحتى لو تراجعت الإعانات الحكومية للطاقة الشمسية إلى 10 بالمائة من أصل 30 بالمائة الآن، يمكن أن تصبح الطاقة الشمسية قريبا أرخص ثمنا من طاقة الوقود الأحفوري في عشرات الولايات. في أجزاء من أوروبا، تعتبر طاقة الرياح منذ الآن أرخص مصدر لتوليد الكهرباء الجديدة. بحلول عام 2023، سيكون تثبيت محركات توربينية لتوليد طاقة الرياح أرخص من بناء مصانع جديدة للغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدة. وهذه ستكون الحال حتى من دون الإعانات الفيدرالية، التي ينتهي مفعولها في عام 2017. بالاعتماد على الماضي من أجل رسم خريطة مستقبل الطاقة في أمريكا، فإن ترامب يضع الأرباح قصيرة الأجل للصناعات والتي يفضلها الجمهوريون في مكانة تفوق مكانة السوق الحرة والإدارة الذكية. تبين أن هذا الشخص الذي يقول عن نفسه إنه يأتي من خارج المؤسسة إنما يفضل أصحاب المصالح الخاصة حين يتعلق الأمر بالطاقة.