خمسة من المتداولين السابقين، الذين كانوا يعملون في بنك باركليز هم الآن قيد المحاكمة في لندن، بتهمة التلاعب في أسعار الفائدة في أسواق المال. أحد المحامين استخدم مقالا كتبْتُه قبل تسع سنوات أثناء اندلاع أزمة الائتمان ليكون عصا يضرب بها التنفيذيين في البنك، الذين تم استدعاؤهم للشهادة في القضية. وقد نفى هؤلاء التنفيذيون أنهم كانوا على علم بأي مشاكل مع أسعار الفائدة التي كان البنك يقدمها في ذلك الحين. بعد أن أصبحنا الآن على علم بتطورات الأحداث، أنا مقتنع تماما بأن الفضيحة خرجت إلى حيز النور لأن بنك باركليز، على عكس البنوك الأخرى، حاول أن يفعل الشيء الصحيح من خلال إعداد تقارير بأن تكاليف الاقتراض تواصل الارتفاع في الوقت، الذي كانت الأسواق المالية تعاني من التصدع. الأحداث في أسواق المال منذ ثماني سنوات أدت إلى رحيل بوب دياموند، الرئيس التنفيذي في باركليز، وفشل بول تاكر في الفوز بمنصب محافظ بنك انجلترا. كما أنها دفعت أيضا نحو تغييرات واسعة النطاق حول كيفية تعيين المقاييس المرجعية في كثير من الأسواق المالية، مع تحقيقات تبعت ذلك في كيفية تحديد أسعار السلع وقيم العملات. والسلطات لا تزال حتى الآن تتابع اتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص التلاعب في أسعار السوق، التي شوهت 350 تريليون دولار من الأوراق المالية. وخلال الفترة الماضية فرضت السلطات التنظيمية على البنوك العالمية عقوبات وغرامات وصلت إلى 200 مليار دولار على تلاعبها في أسعار الفائدة وأسعار السلع والذهب. في عام 2007، كنت أقضي الكثير من الوقت أراقب مجموعة من تكاليف الاقتراض المعروفة باسم أسعار الفائدة المعروضة بين البنوك في لندن، التي يُطلَق عليها اختصارا اسم «ليبور». في وقت لاحق اتُّهِمت البنوك بالتلاعب في أسعار الفائدة المذكورة وفرضت عليها السلطات التنظيمية حوالي 9 مليارات دولار كغرامات. ووجهت اتهامات لأكثر من 20 من المتداولين الأفراد في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، على الرغم من إدانة توم هايز، المتداول السابق في سيتي جروب، فقط (ويقوم الآن بتقديم طلب استئناف للحكم). ولكن في ذلك الوقت كنت مهتما فيما كانت أسعار الفائدة تُنبئنا به عن معاناة الشركات الفردية نتيجة إجهاد السوق. وبعد نشر تقرير أسعار الفائدة الجديدة من قبل رابطة المصرفيين البريطانيين في اليوم الأخير من أغسطس، حيث أبرز التقرير قفزة في تكاليف الاقتراض لبنك باركليز، كتبت مقالا قلتُ فيه: «بنك باركليز، الذي يعتبر ثالث أكبر بنك في المملكة المتحدة، أخبر رابطة المصرفيين البريطانيين أن مقدار الاقتراض لمدة ثلاثة أشهر سيكلفه 6.8 في المائة أكثر من أي بنك آخر في الرابطة، حيث بلغ 11 نقطة أساس كاملة فوق سعر التثبيت الرسمي بتاريخ 31 أغسطس. قروض اليورو لأجل ثلاثة أشهر ستكلف باركليز 4.76 في المائة، وأيضا أكثر من أي بنك مساهم آخر. في الوقت نفسه قروض الدولار لأجل ثلاثة أشهر ستكلفه 5.75 في المائة، التي كانت أيضا أعلى نسبة من بين 16 مؤسسة شملها الاستطلاع. وهذا ما دفعني إلى التساؤل بقوة عما يحدث في باركليز ووحدة أوراقه المالية «باركليز كابيتال»، وعن السبب الذي دفع البنوك الأخرى إلى فرض أسعار فائدة عالية في أسواق المال. أعطيتُ الفرصة إلى موظفي الصحافة في باركليز للتعليق يوم الجمعة، إلا أنهم رفضوا ذلك. ونُشِر المقال يوم الإثنين. بعد الإفطار بفترة بسيطة، اتصل بي أحد التنفيذيين في البنك. متحدثا بشكل غير رسمي، قال لي إنني لم أفهم الموضوع على وجهه الصحيح نهائيا. لم يكن الأمر أن باركليز كان يدفع المزيد من أجل اقتراض المال. وقال لي إن البنك قرر معالجة ما يحدث حقا في ليبور. كانت أسعار الفائدة، التي سيدفعها البنك أعلى من أي بنك آخر لأنهم جميعا كانوا لا يزالون يتظاهرون أن الأمور تسير كالمعتاد في عالم التمويل، حيث كانت البنوك تقدم أسعار فائدة عادية كما لو أن المال كان لا يزال متاحا بحرية. كانت البنوك غير مستعدة للاعتراف بأن سوق المال أصيبت بالجفاف. وأصر أن باركليز كان يحاول أن يكون الرجل الطيب وينهي المهزلة. كان حدسي يرفض قبول حججه على اعتبار أنها لخدمة مصالح ذاتية، ولكني عرضتُ أن أكتب مقالا ثانيا لدراسة ما يقوله على شرط أن يعلن باركليز ذلك رسميا. لكنه امتنع عن القيام بذلك، الأمر الذي بدا أنه يؤكد شكوكي. اليوم، يغلب على ظني أن ذلك التنفيذي من باركليز كان يقول الحقيقة. الجميع كان بالتأكيد يحاول إخفاء مدى التفكك، الذي أصبحت عليه الأسواق. فقد كان المال غير متوافر. وبذلك بدلا من استخدام التعاملات (الفعلية أو المحتملة)، كانت البنوك تستخدم التخمين ولم يكن هناك بنك يريد أن تُلصَق به وصمة العار، التي تأتي مع ارتفاع تكاليف الاقتراض، حتى لو كانت الحقيقة هي أن المال كان بشكل واضح يصبح أكثر تكلفة كل يوم. النيابة العامة لمكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة كشفت الأسبوع الماضي أن بيتر جونسون، المتداول السابق في باركليز، الذي كان مسؤولا عن تقديم أسعار ليبور في البنك، اعترف في أكتوبر 2014 أنه مذنب بالتآمر بهدف التلاعب في أسعار الفائدة. وهو بانتظار صدور الحكم عليه. خمسة من زملائه السابقين، حاليا قيد المحاكمة، نفوا جميعا هذه الاتهامات. أشعر بمسحة من التعاطف مع باركليز. في البيئة النتنة التي صاحبت انقباض الائتمان، أستطيع أن أصدق أن بنك باركليز وإدارته ربما صدقوا أنه كان يجري الاستناد عليهم من قبل البنك المركزي لإبقاء سعر فائدة ليبور عند مستوى أدنى. بالتالي، حين أدت محاولة أغسطس لتقديم سعر فائدة أعلى يعطي صورة أفضل لظروف السوق الحقيقية، حين أدت هذه المحاولة إلى نتائج عكسية ووجد باركليز نفسه أنه عرضة للاشتباه في أنه كان يعاني في سبيل الاقتراض، أستطيع أن أفهم لماذا قد يتخلى عن تلك المبادرة. محاولة لفلفة الصدوع، التي أصابت أسواق المال من خلال تقديم عروض لأسعار الفائدة تكون متدنية بصورة مخادعة، إن كان هذا هو ما حدث فعلا، فهي محاولة غير سليمة وكان من المؤكد أنها ستؤدي إلى نتائج عكسية. لكن بالنظر إلى أنه كان من الواضح أن أسعار ليبور في ذلك الحين كانت تستند إلى التخمين وليس إلى الحسابات، من الممكن أن نرى كيف أن صناعة بأكملها استطاعت أن تقنع نفسها أنها حين تخفي جانبا من الحقيقة حول تكاليف الاقتراض، وإن كانت تخدم الصالح العام، من حيث إنها كانت تحافظ على الثقة في النظام المالي.