تتكون هذه الكلمة من الأحرف الأولى لعبارة بالإنكليزية (*1) تعني مستوى الفائدة «أو تكلفة» الاقتراض، التي يقرض بموجبها بنك نظراءه من البنوك الأخرى. ولو كان ينتهي الأمر باقتراض بنك من بنك آخر ما كُتِبتْ هذه المقالة، ولكن «ليبر»، الذي يتم تحديد مستواه يومياً عند الساعة 11:30 صباحاً في لندن، هو الذي يعتمد عليه وينطلق منه مستوى تكاليف الائتمان والقروض في العالم أجمع. ومئات الملايين من الناس، بما في ذلك أفراد الطبقات المتوسطة الدنيا، إما يقترضون لتمويل حاجاتهم اليومية أو مشترياتهم الأكبر من الثلاجة إلى المسكن، أو يدفعون أسعاراً أعلى تشمل تكاليف البائع الائتمانية. والغالبية الساحقة من المقاولين والمستوردين والصانعين والمزارعين والمتاجرين بكل أنواعهم، لا بد لهم من الاقتراض للوفاء بالتزاماتهم. وكل أنواع الاقتراض لها تكاليف. وهذه التكاليف تعتمد على مستوى «ليبر». والذي أملى أهمية مناقشة «ليبر»، الذي ينحصر الحديث عنه عادة بين المصرفيين وبقية المنتمين للأسواق المالية، هو ما حدث أخيراً من فضيحة (سبقتها فضائح أقل أهمية) في لندن في 27-6-2012، حينما اعترفت القيادة الإدارية لبنك «باركليز»، وهو من أضخم المنشآت المالية في العالم، بأنهم كانوا يتلاعبون بمؤشر «ليبر». وما «ليبر» في نهاية المطاف إلا مؤشر يقتدي به كل مقرض ويؤثر حتماً في كل الناس بطرق شتى، لأن كل الناس إما يقترضون مباشرة أو تؤثر تكاليف الاقتراض بأسعار كل ما يشترون بطرق مباشرة أو غير مباشرة. وكيف كان يتم التلاعب؟ في البدء لا بد من الإلمام إجمالاً بمعنى تكلفة أو عمولة الحصول على قرض. فبالنسبة إلى طلاب علم الاقتصاد، عمولة الاقتراض هي الثمن الذي يدفعه المقترض للمقرض مقابل تخلي صاحب المال عن الاستفادة من تشغيل ماله أو حتى كنزه إذا كانت للكنز منفعة بالنسبة له لفترة محددة من الزمن. ولا تعني ثمن النقد، وإنما ثمن تنازل صاحب مال عن استخدام ماله ذاتياً بأية طريقة يراها تجلب منفعة له، لفترة محددة. والصورة التي يحصل فيها المقرضون على ثمن التنازل عن استخدام أموالهم لفترة من الفترات الطويلة أو القصيرة، تأتي بصور شتى، فقد يقول لك مصرف سأدفع عنك قيمة سيارتك فوراً، وسأقسط عليك قيمتها بما مجموعه أكثر من قيمتها الآنية. فهذا ثمن أو عمولة تدفعها بطريقة غير مباشرة. وقد تدفعها بطريقة مباشرة كأن يقول لك مقرض سأدفع عنك مئة الآن على شرط أن تعيد لي ما مجموعه مئة وعشرة بعد سنة. ولا يجهل أحد أنه لا يمكن الحصول على شيء مفيد من دون مقابل أياً كان نوع المقابل مادياً أو معنوياً أو غيره. نعود الآن إلى كيفية ما تم من تلاعب ب «ليبر». بما أن البنوك، هي مستودع ودائع الناس ومصدر توفير وسائل الائتمان لبقية القطاعات الاقتصادية القادرة على الوفاء، أو كذلك ينبغي أن تكون، فهي في العادة من أقدر القادرين على الوفاء بالقروض التي يقرضها بعضها لبعضها الآخر لتوفير سيولة مؤقتة. فلذلك تكون تكاليف الاقتراض في ما بينها أدنى تكاليف الاقتراض الممكنة، لأنه ليس هناك ما يدعو إلى إضافة مقابل «نسبة احتمال» عدم الوفاء أو تأخير الوفاء عن موعده المحدد. فاحتمال عدم وفاء مصرف بقرض اقترضه من مصرف آخر يقترب من الصفر أو يكاد. فجميع القروض التي تمنح من البنوك لغير البنوك، إذاً، لا بد أن تكون بتكاليف أعلى من «ليبر»، لأن احتمالات عدم الوفاء تكون أكبر من احتمالات عدم قدرة البنوك على الوفاء. فمصدرو بطاقات الائتمان، على سبيل المثال، يضيفون إلى «ليبر» نسبة يقدرونها تعوضهم عن «نسبة احتمال» عدم الوفاء أو تأخيره عن الموعد المحدد من بين نسبة يقدرونها من حاملي بطاقات الائتمان. والذي حدث على أرض الواقع، هو «فبركة» مستوى «ليبر» لتحقيق مصالح ذاتية، إذ اعترف مصرفيون من «باركليز» في أواخر الشهر السادس وخلال الشهر السابع من 2012 أنهم كانوا «يفبركون»، بالتعاون مع مصرفين آخرين، مستوى ل «ليبر» دون المستوى الذي تحدده الندرة النسبية للسيولة. ولماذا يفعلون ذلك؟ بالدرجة الأولى لأن البنوك المركزية المفوضة الإشراف على نشاط البنوك التجارية، تضع أيضاً مستوى الفائدة الذي يتقاضاه بنك من بنك آخر في الاعتبار، لتقييم سلامة البنك المقترض من الأخطار المالية، فالبنك الذي يدفع تكاليف أعلى من غيره من البنوك لتوفير السيولة الموقتة لا بد أن يكون أقل ملاءة، فيلفت نظر السلطات النقدية التي قد تطالبه برفع رأسماله للوفاء بالتزاماته. ولكن إذا اتفق مصرفيون في ما بينهم على دفع وتقاضي «ليبر» بمستوى أقل من مستواه الذي تقضي به الندرة النسبية للسيولة، فإنهم بذلك يُضلِّلونْ -متعمدين- السلطات النقديةَ إلى درجة قد تؤدي إلى كارثة مالية جديدة. وبإيجاز، فالتلاعب في «ليبر» أو ما يماثله (*2)، هي وسيلة لخداع السلطات التنظيمية، لتمكين إدارة البنوك من المخاطرة بأموال المودعين، لتحقيق أرباح مؤقتة يخدم مصالح إدارة البنوك تحقيقها. والمخاطرة بأموال المودعين كانت السبب الأهم لكارثة 2008 المالية. * أكاديمي سعودي (*1)- LIBOR: London Interbank Offered Rate (*2) وله ما يماثله في هونغ كونغ وسنغافورة، بل وفي السعودية (SIBOR)، ولكنها جميعاً تنطلق مما يتم في لندن لتحديد تكاليف القروض بطرق شتى في العالم أجمع.