«تحول التقدير الاستراتيجي الأمريكي للشرق الأوسط وانعكاساته على أمن الخليج» كان عنوان ورشة هامة أقامها «مركز الإمارات للسياسات» في العاصمة الإماراتية الأسبوع الماضي بمشاركة ما يزيد على مائة من المشاركين من ساسة وأكاديميين خليجيين وأمريكيين وعرب منهم وزراء سابقون وبمشاركة أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي السفير عبدالله بشارة، وقد وُزع وقت الورشة على أربع جلسات ناقشت الأولى أسباب وسياقات التحول في التقدير الاستراتيجي الأمريكي للشرق الأوسط وانعكاسات ذلك على توزيع القوة في الشرق الأوسط، فيما ركزت الثانية على العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في تغيير أو تعديل التقدير الاستراتيجي الأمريكي الحالي للشرق الأوسط واستشرف المتحدثون في الجلسة الثالثة مستقبل أمن منطقة الخليج في ضوء التحول في التقدير الاستراتيجي الأمريكي فيما اجتهد المتحدثون في الجلسة الرابعة والختامية في محاولة رسم أهم السيناريوهات المتوقعة للتقدير الاستراتيجي الأمريكي للخليج والمنطقة في السنوات القادمة. ركز المتحدثون والمشاركون في الورشة على محاولة فهم أسباب وطبيعة التحول في التقدير الاستراتيجي الأمريكي وكيفية معالجة حقيقة تراجع قيمة الدول الخليجية كشركاء إستراتيجيين لواشنطن وأسباب تحول الدور الأمريكي من دور ثابت وأساسي إلى الاكتفاء بالقيام بعمليات انتقائية، وهو أمر اعتبره بعض المشاركين الأمريكيين خطأً جسيماً بسبب ارتفاع تكلفة انسحاب واشنطن من الأزمات السياسية الإقليمية على مستقبل الأمن الوطني الأمريكي وخاصة في العراق وسوريا، كما تعرض المشاركون لتقييم تداعيات هذا الانسحاب الاختياري الأمريكي وتداعيات الفراغ في المنطقة الناجم عن التحول الأمريكي ومحاولة اختبار القول الذي يذهب إلى أن الدبلوماسية الأمريكية أصبحت لا تكترث بأي مكاسب لمنافسيها في المنطقة حتى ولو كانوا بوزن دولة مُنافسة كروسيا وعلى وجه الخصوص في الملف السوري، حيث رأى البعض أن واشنطن سلمته بخيارها لموسكو واكتفت بالإطار التنسيقي معها في إدارة الأزمة السورية وإخراجها بشكل يتم التراضي بشأنه بين البلدين. جديد العلاقات الأمريكية- الإيرانية حاز على جزء هام من وقت الورشة حيث تم البحث في الأسباب التى أدت لتغير النظرة الأمريكية تجاه إيران واعتبارها شريك ضرورة، والدعوة علانية لمشاركة النفوذ بين الطرفين الخليجي والإيراني، مع وجود قناعة أمريكية بتزايد قيمة إيران الاستراتيجية بسبب قربها من بحر قزوين ونفط الخليج وخطوط أنابيب الغاز التي تزود أوروبا بالطاقة، ومجاورتها لأفغانستان، وربما استخدامها مستقبلاً في احتواء الصين، ولعل أكثر النقاشات صراحة كان الاعتراف بوجود اختلاف جدي بين الجانبين الخليجي والأمريكي فيما يتعلق بتعريف الخطر وتوصيف العدو فبينما تنظر غالب دول الخليج إلى إيران كتهديد مُباشر للمنطقة فإن واشنطن لم تعد تعتبر إيران كدولة مارقة بعد إبرام الاتفاق النووي معها. السيناريوهات المستقبلية تراوحت بين المتفائل ببناء منظومة خليجية بالاعتماد على الذات أولاً والتحالفات ثانياً، مترافقاً مع حل المشكلات الإقليمية وإعادة تأهيل إيران، والمتشائم القائم على توقع الإخفاق في بناء منظومة أمن جديد، واستمرار أو تصاعد الخلافات الإقليمية مع إيران، فيما جاءت التوصيات بضرورة اتجاه دول الخليج لتنويع شراكاتها الاستراتيجية وبناء قوتها الذاتية مع محاولة الحفاظ على الولاياتالمتحدة كأهم شريك إستراتيجي لدول الخليج على الساحة الدولية. الخلاصة أن العلاقات الخليجية– وبالأصح السعودية- تتعرض لوقت صعب مع الولاياتالمتحدة ومن الحكمة بذل جهود إضافية للتواصل واللجوء للتهدئة والهدوء في معالجة أسباب التغيير والاعتراف بالاخطاء ومعالجتها، والعمل قدر الإمكان على قطع الطريق على كل من يتمنى توجه هذه العلاقات لمرحلة متوترة، والمأمول الآن هو وقف النزيف في العلاقات والمراهنة على المعالجة الذكية وعامل الوقت والظروف المتغيرة مستقبلاً....