إعلان رؤية السعودية 2030، شمل خطوطاً عامة، بانتظار إعلان التفاصيل لاحقاً في بقية البرامج التنفيذية المنبثقة عن الرؤية، لكن الكلام عن التحول في قطاع الصحة، وما تخطط الوزارة لعمله خلال الفترة المقبلة لتحسين الخدمات الصحية، وإحداث تحول فيها، يملأ وسائل الإعلام، وهناك إشارات كثيرة في تصريحات المسؤولين حول اعتماد فكرة التأمين الصحي، وإفساح المجال للقطاع الخاص لتشغيل المستشفيات الحكومية، بغرض رفع كفاءة التشغيل. يبدو الحديث منصباً على محاكاة النموذج الفرنسي في الرعاية الصحية، وهو نموذج ناجح، لكن فهم آليات عمل هذا النموذج مهم جداً، كي لا يُستَنسَخَ النموذج الأميركي، سيئ الصيت والسمعة. يختلف النموذج الفرنسي عن الأميركي بالأساس في دور الدولة في الإشراف على الرعاية الصحية، فالنموذج الفرنسي يقوم على تغطية الدولة لغالبية المواطنين الفرنسيين، عن طريق شركات تأمين تملكها الدولة، وهي شركات غير ربحية، تغطي تكاليف العلاج، مع وجود نسبة معينة يتحملها الأفراد، تختلف بحسب مداخيلهم. تقوم الدولة بدور محوري في ادارة النظام الصحي، فهي إلى جانب تغطية المواطنين، تعمل على تحفيز القطاع الخاص على تحسين جودة خدماته، لتكون المراكز الصحية والمستشفيات التي يديرها مقبولة في نظام التأمين الذي تقدمه الدولة، فالقطاع الخاص يشغّل المنشآت الصحية تحت إشراف الدولة وضمن المعايير التي تضعها، وهنا يكمن سر نجاح النموذج الفرنسي، إذ لا تترك الدولة للقطاع الخاص التحكم بالرعاية الصحية، وتعطيه فرصة تشغيل المنشآت بمعاييرها. هذا النموذج يحتاج عند مناقشة تطبيقه في الواقع السعودي إلى التأكد من عدة أمور، أهمها دور وزارة الصحة في تغطية المواطنين بالتأمين، والقدرة على التفريق بين أصحاب الدخل المرتفع والمحدود في مسألة التأمين ونسبة التحمّل، ووضع معايير صارمة لقبول المراكز والمستشفيات المدارة من قبل القطاع الخاص. لكن الأهم من محاكاة النموذج الفرنسي في تكليف القطاع الخاص بأعباء تشغيل المستشفيات، هو إعادة بناء نظام الرعاية الأولية بشكل فعال، يخفف الضغط على المستشفيات عبر معالجة الحالات في بداياتها داخل مراكز الرعاية الأولية، ويحقق تحولاً حقيقياً على مستوى تقليص حجم الأمراض، ورفع معدل عمر الفرد. التأسيس لنظام صحي متين وفعال يبدأ من تفعيل الطب الوقائي، للحد من انتشار الأمراض، وتعزيز الصحة العامة، وتغيير أنماط المعيشة غير الصحية، وهو ما يجب أن تركز عليه وزارة الصحة كاستراتيجية أساسية. بناء نظام رعاية أولية مميز، والاهتمام بالطب الوقائي، يحتاجان إلى تفكيرٍ استراتيجي يبني على المدى الطويل، ولا يبحث عن منجزات سريعة لتقديمها إعلامياً، وإنما يؤسس لنظامٍ صحي أكثر فعالية ونجاعة، عبر تحديد الأولويات في القطاع الصحي، ومنع الأمراض من الظهور والانتشار قدر الإمكان، لتقليل كلفتها المادية والبشرية.