تحلقنا الإثنين الماضي حول شاشة التلفاز، ونحن متحفزون بما أوتينا من انتباه؛ لسماع ما سيقوله رجل المرحلة الصعبة، كان لدينا قناعة بأننا سنستمع لتصريحات مغايرة عن النوع الاستهلاكي، فالموضوع يتعلق بمشروع الرؤية السعودية 2030، مشروع التحول الوطني الضخم، الذي يمس مباشرة مستقبلنا ومستقبل أجيالنا، حُبست الأنفاس وترقب الجميع باهتمام بالغ الإطلالة الأولى لشابٍ لفت بقدراته أنظار الشرق والغرب، بعدما أدار باقتدار ملفات ملتهبة، وأشرف بعبقريته التنموية، على أكبر خطة تحول اقتصادي ناء بها كاهل كبار الاقتصاديين، وما زال يتصدر المشهد الاقتصادي والعسكري بكل تعقيداته وحساسيته!! بدأ اللقاء وساد الصمت، وأصغينا لصوت نبرته تحمل في ثناياها الجدية والثقة بالنفس، كان سموه ينتقي مفردات رؤيته بعناية، (فالرؤية والهدف والإنجاز وتحييد النفط والتنوع الاقتصادي)، جميعها مفردات مستحدثة في الخطاب الاقتصادي السعودي، هذه المفردات لمعت في عقولنا، وسببت لنا صدمة ذهنية، فالاستغناء عن مصدر الدخل شبه الوحيد للاقتصاد السعودي، والبحث عن بديل اقتصادي خلال فترة زمنية، كان أكبر من أن تستوعبه أفهامنا، تحدث لنا المسئول الشاب بلغة التطوير وحتمية التغير، همه تكوين مجتمع سعودي حيوي وعملي، لا مكان فيه للكسل والاتكالية والترهل. واصل سموه حديثه بشمولية ووعي بحجم التحديات التي تواجه الوطن، فحلق بنا نحو آفاق اقتصادية ورؤية تنموية شاملة، محورها (توظيف إمكانات بلادنا وثرواتها لتحقيق مستقبل أفضل) من الرفاهية والحياة الكريمة، كانت عبارات سموه تشعرنا بعمل مؤسسي مدروس، يعتمد على فئة الشباب الشريحة الأكبر، التي تمثل أكثر من 65% من المجتمع السعودي، فلأول مرة من خلال رؤية 2030، يجد الشاب السعودي نفسه شريكا حقيقيا موثوقا به في بناء وطنه، ويُعول عليه ليكون ركيزة أساسية في تنفيذ مشروع الرؤية السعودية 2030، هذا الطموح وروح التحدي ضاعف فينا كمية التفاؤل والأمل، وطمأننا على مستقبل ابنائنا وأجيالنا القادمة!! الجمود والركون للواقع ليس هو سنة الحياة، ولا سمة العصر الحديث في رتمه ومتغيراته السريعة، وتحولاته الاقتصادية السياسية، فلا حياة ولا استدامة لأي من مؤسسات الدولة إلا بالتنظيم والتطوير، والتخلص من حالة التكلس الإداري والتنظيمي، وهذا وضع صحي حتى تتم المواكبة مع مستجدات العصر، والدولة المستسلمة لواقعها وليس لديها مبادرات ورغبة في التطوير، لا شك أن مخرجاتها ستكون هزيلة، وسيهتز اقتصادها وتتراكم مشاكلها وتبقى دولة مستهلكة. والمملكة بحضارتها وموقعها الديني، وبثقلها السياسي والاقتصادي، وامتلاكها للقيادة الحكيمة الواعية، ومن خلفها شعب طيب الأعراق، من الظلم ألا توظف هذه المقومات التوظيف الصحيح، لنكون في الصف الأمامي جنبا لجنب مع الدول الاقتصادية والصناعية المتقدمة، فليس مقبولا وقد حبانا الله هذه الإمكانات، أن نبقى ضمن شجيرات صغيرة، تستظل بجذوع الأشجار الكبيرة!! لكل حركة تغير مأفونون يبالغون في الخشية من المجهول، ويتوجسون خيفة من الانفتاح على الآخر، والتعامل معه في حدود قيمنا، هؤلاء المثبطون دأبوا على (الشوشرة) ومقاومة أي تغير، وهم لم يساهموا بأي جهد يذكر في العملية التنموية، وبالتالي لا يقف أمام عجلة التطوير والتنظيم ويرفض التجديد، إلا عشاق الجمود ومن تستهويهم النمطية، هؤلاء لا ينتسبون لهذا العصر فهم يسيرون بعكس عقاربه، يرفضون التغير لمجرد الرفض، بدون وعي بطبيعة هذا التغير وأهدافه وطريقة تطبيقه، وبهذه الطريقة المخذلة لا يمكن أن يعمل المخلصون في بيئة صحية، ولا يمكن للمملكة أن تنطلق نحو هدفها التطويري الذي رسمته لنفسها، وخلفها أصوات رجعية تقوقعت على نفسها، لا تجيد إلا الهدم وصياغة عبارات التكفير، ولولا موقف الحزم منها؛ لتمادت في غيها!!