استوقفني خبر مبهج ضمن قائمة طويلة من الاخبار والاحداث الاقل بهجة، التي تأتي من البلاد الليبية. الخبر يقول ان منظمة «أساطير الاولين» للحفاظ على المدن القديمة، وتنمية، السياحة. أقامت «احتفالية» بعنوان هويتنا تجمعنا. الاحتفالية كانت في مدينة بنغازي الجريحة، وأقيمت بقرب مخيم لاجئين من منطقة تاورغاء. المؤسف ان القائمين على هذه المنظمة قاموا بكل هذا الجهد الاحتفالي دون معونة مما تبقى من مؤسسات رسمية او شبه رسمية في مدينة بنغازي. المفيد ان هذه الفعالية الثقافية تضمنت اشعارا، بالفصحى، والعامية. علاوة على فقرات للرقص الشعبي، والمزمار. ولعل من يتفحص الخبر يدرك ان الجميع في ليبيا لديهم ما يشغلهم عن مثل هذه الفعاليات التي تحاول ان تنشر الفرح والثقافة وسط اوضاع اقل ما يقال فيها انها صعبة. وزادت الاوضاع قتامة وصعوبة مع منتصف الاسبوع المنصرم الاثنين 18 ابريل 2016 عندما تفرق النواب الذين اجتمعوا في مدينة طبرق دون ان يتمكنوا من عقد جلسة لمجلسهم الموقر! وذلك لأن هناك من النواب الرافضين لحكومة الوفاق من قام بتعطيل انعقاد الجلسة، رغم تأكيدات من نواب آخرين باكتمال النصاب القانوني للانعقاد. مصادر ذكرت ان من النواب من اغلق القاعات المخصصة للاجتماع، وسحب سجلات توقيع الحضور. كل هذا كان يحدث بالتوازي مع وجود مبعوث الامين العام للامم المتحدة في طبرق، بغية حث الشخصيات السياسية والنواب على انهاء ما قال انه الفرصة التاريخية للتصديق على حكومة الوفاق، او ما بات يعرف بحكومة السراج. كوبلر قضى الاسبوع المنصرم وهو في حالة تأييد واضحة ومعلنة لإنهاء كل هذه المراوحات واخراج حكومة الوفاق الى حيز الوجود. ولم يكن الرجل وحيدا في ذلك المسعى حيث زار طرابلس خلال الاسبوعين الماضيين اكثر من ثمانية وزراء خارجية، وسفراء اوربيين كانت زياراتهم رسمية ومعلنة، وتحدثوا مطولا مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني. وفسر البعض هذه الدعوات وهذه الزيارات بالتسابق الاوروبي تجاه ليبيا، او بعبارة اخرى تجاه تقاسم المصالح فيها. وتحدث البعض بما يعني ان هذا التسابق الاوروبي على ليبيا بات محل شك فريق من الليبيين، كون الاتحاد الاوروبي لم يقدم حزم المساعدات الانسانية التي تحدث عنها طويلا حتى الآن، وهذا ما فسره البعض ان الاوربيين يربطون تقديم المساعدات بالتقدم السياسي الذي يراه البعض في ليبيا ابتزازا سياسيا او دفعا لحكومة امر واقع اي حكومة السراج او حكومة الوفاق الوطني. القضايا التي تم تناولها من وزراء الخارجية الاوربيين، والسفراء الذين حلوا في طرابلس مؤخرا كشف عنها البعض بانها تمحورت حول امرين اساسيين هما: مخاوف سيول الهجرة التي تهدد البلدان الاوروبية، وحرصهم على وقف هذه التدفقات بأي شكل. والحديث عن تقديم المساعدات، والمعونات العسكرية والتي من المفترض ان تتم بناء على طلب من حكومة الوفاق. وذلك لوقف زحف القوى الارهابية وعلى رأسها داعش في الارض الليبية، واحتمالات انتقال تأثيراتها إلى الدول الاوروبية. هذا الحرص الظاهر من الاوربيين خلق مزيدا من الحذر لدى قطاع واسع من الليبيين الذين يولون اهمية اكبر لمشاكل بلادهم الاقتصادية، والأمنية، وانعاش القطاعات الحيوية كالتعليم، والصحة والتي يعتقدون انها لا تهم الاوربيين كثيرا في هذه المرحلة. حالة العجز التي اظهرها الليبيون على التوافق، يضاف لها حالة اعمق من عدم الثقة بين هذه المكونات التي يصعب على المراقب وصفها بقوى سياسية او شخصيات مصلحية، او حتى اطراف جهوية، ومناطقية. تجعل من فسحة الخيارات لاستقرار حقيقي في البلاد الليبية امرا في غاية الصعوبة وعلاوة على الانقسام السياسي، هناك الانقسام الاخطر في الرؤية للعمل العسكري وتثبيته، فالنظرة الاوروبية ترى بإمكانية ايجاد قوى رمزية من ايطاليا او من دول اوروبية اخرى لتنظيم هذا الشأن، وهناك من يرى ضرورة ان تكون اي قوة تباشر مثل هذه المهام «ليبية خالصة» وهذا ربما ما اشار الى امكانيته وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير الاسبوع الماضي. كل هذه الرؤى تحتاج الوقت والتدريب واعادة الانتشار وتثبيت الاوضاع في الداخل في حال لم تجد اي مقاومة من اطراف ميلشياوية سيطرت على كثير من مفاصل الحياة خلال ما يربو على العام، هذا اذا لم نتحدث عن خطر تنظيم الدولة الذي ينتشر على الارض الليبية بصورة سريعة، ونقلت اخر الاخبار مؤخرا وجودا مكثفا في مناطق بني وليد والاطراف التابعة لها. بحسب بيانات عشائرية، وبلدية انتشرت الاسبوع الماضي بين الناس. معضلة الامن في البلاد الليبية اصبحت هما داخليا، ودوليا، وهي بنفس القدر هم لدول الاقليم مع شيء من المغايرة في التناول، يتضح ذلك من الرؤية المصرية التي عبر عنها الرئيس المصري اثناء استقباله للرئيس الفرنسي يوم الاحد الماضي والذي ركز على قصور الدعم الدولي في مساندة «الجيش» الليبي بالسلاح والدعم اللازم. لمواجهة الارهاب. وألمح انه مع استمرار هذه الحالة فسيكون هناك «امكانية» لتدخل عسكري دولي. هذه رؤية مصرية ثابتة منذ انطلاق الازمة الليبية تقريبا، وربما تعود للسطح اليوم مع تعثر المسيرة السياسية بين اهل البلاد، ومع تفاقم حالة عدم الثقة في المشاريع التي تطرح سواء من الاطراف الدولية او الاقليمية. ومع كل ذلك تبقى الحيرة سيدة الموقف في كل هذه التناقضات التي تجري على الارض بين اهل السياسة، وأهل التدخلات العسكرية، وأهل الثقافة والفن والتراث في ليبيا.