حقق تيد كروز في الأسبوع الماضي فوزاً كبيراً على منافسه دونالد ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية ويسكنسون، إذ حصد الأول (48%) من الأصوات، مقابل (35%) للأخير. ولا يبدو مباغتاً أن يشن ترامب هجوماً حاداً على منافسه متهماً أياه بالغش والتآمر مع القيادات التقليدية في الحزب الجمهوري. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قامت إدارة حملة ترامب الانتخابية بالتصريح بأن كروز مجرد دمية وحصان طروادة الذي يستغله القياديون في الحزب لسحب بساط الترشح من تحت قَدَميْ ترامب. إن هجوم ترامب وإدارة حملته على منافسه لا يثير الاستغراب، ويبدو عادياً في سياق الانتخابات الامريكية التي لا تخلو أبداً من جولات التراشق بالطين بين المتنافسين على الوصول الى المكتب البيضاوي. ما يثير الاستغراب هو الفرح والاستبشار الذي استقبل به بعض العرب والمسلمين ما أعتبروه بدايةً لأفول نجم ترامب، وصعود نجم كروز، واحتمال إزاحته لمنافسه عن السباق للفوز بلقب مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة. أعي كغيري الأسباب وراء الفرح بالهزيمة التي مني بها ترامب في ويسكنسون؛ لكن مالا أفهمه هو هذا الانحياز إلى جانب كروز، فكروز ليس البديل الأفضل لترامب، وليس نقياً من العنصرية والاسلاموفوبيا كما يعتقد أولئك المبتهجون والمتفائلون. إن تيد كرزو هو مرشح حزب الشاي اليميني المتشدد؛ والفرار من ترامب إليه مثل الالتجاء من نارٍ الى نار أخرى. كروز كائن عنصري وزينوفوبي وإسلاموفوبي كمنافسه ترامب، وباقي المرشحين الجمهوريين، الذين قالت عنهم (نيويورك تايمز) في افتتاحيتها في العاشر من ديسمبر 2015 إنهم يحاولون النأي بأنفسهم عن أفكار ومقترحات ترامب بخصوص الهجرة وتحصين البلاد من الجنوب، لكنهم في الحقيقة كانوا يروجون لأشهر ولسنوات نظريات سياسية إقصائية تعلي مصالح المواطنين "الأصليين" على مصالح المهاجرين؛ وتحذر الصحيفة من التوهم بأن ترامب يقف وحيداً متفرداً بعنصريته وشوفينيته قائلة: "انطلقوا، استهجنوا دونالد ترامب. احتقروا رسالته. لكن لا ترتكبوا خطأ التعامل معه كظاهرة فريدة، كنرجسي مشهور غير عادي الذي وبطريقة ما، وبمفرده، دفع بحزبه وسياسته إلى حافة الفاشية". وتوضح (نيويورك تايمز) أن المرشحين الجمهوريين الآخرين يُخَشِنونَ خطابات حملاتهم ومقترحاتهم بخصوص الهجرة تجاوباً مع تأثير ترامب. لا أحد أفضل من أحد في الحزب الجمهوري. الفارق يكمن في ارتفاع صوت ترامب وثرائه ونجوميته وجاذبيته إعلامياً. وبالتركيز على كروز، يظهر وهو يمارس التمييز بين المهاجرين السوريين، مقترحاً السماح للمسيحيين السوريين فقط في دخول الولاياتالمتحدة. وهو كروز ذاته الذي صرح خلال ساعات بعد التفجيرات في بروكسل قائلاً: إن استسلام الولاياتالمتحدة طواعية للعدو لكي نُظهر كم نحن تقدميين ومتنورين قد انتهت". ومضى مطالباً بمضاعفة القوات الأمنية على الحد الجنوبي لإيقاف تدفق المهاجرين، واطلق مقترحاً بتمكين قوات الأمن وزيادة الدوريات في أحياء المسلمين. لم يوضح كروز مدى وحدود تمكين الشرطة وتأمين أحياء المسلمين، والصلاحيات التي ينبغي أن تعطى لهم، تاركاً كلامه مشرعاً للتآويل. كروز هو الذي تساءل ذات تغريدة: ماذا يعرف رجلٌ أسود عن الميزانية؟، قاصداً الرئيس أوباما. ومسح التغريدة مدعياً أنها من عمل صديقة سابقة غيورة أو "هاكر" مجهول.