نحن أمة قادرة على الحياة.. بحجم استهلاك لا يزيد على (100) لتر في اليوم للفرد.. بدلا من (300) لتر.. التي تدعيها وزارة المياه.. لكن سادت ثقافة اهدار الماء على كل الأصعدة.. هل كان ذلك لفرض التحلية والقناعة المغلوطة؟! الأمر برمته يحتاج إلى مراجعة شاملة لصالح الأجيال القادمة.. التحلية نقمة وليست نعمة.. وحتى نقف على رأس هرم المشكلة، فإن نصيب الفرد من استنزاف المياه الجوفية يعادل أكثر من (2000) لتر يوميا. السؤال: لماذا لا يكون لكل مواطن حق في هذه المياه الجوفية؟! لماذا تتجاهل وزارة المياه هذا الحق؟! لماذا تسمح وزارة المياه للقطاع الزراعي العشوائي باستنزاف المياه الجوفية بشكل جائر، وبدون رقابة ومساءلة، ثم تحمّل المواطن ثمن ما يحتاجه في منزله من ماء؟! في الوقت الذي تتجاهل فيه وزارة المياه نصيب المواطن من المياه الجوفية، وتسعى هذه الوزارة لمحاسبته حتى على ما يستهلكه للشرب.. هل هذا مقبول؟! لماذا تم وضع المواطن في الزاوية الصعبة والحرجة؟! لماذا تتجاهل وزارة المياه نصيب الفرد من المياه الجوفية، وأيضا حصة الأجيال القادمة؟! لماذا تحاسبه على مياه التحلية التي فرضتها كخيار وحيد أمامه؟! هل على المواطن دفع تكاليف نتائج الاجتهادات غير الموفقة ونتائج العبث.. ونتائج الطمع والجشع والفساد؟! إن المواطن والأجيال القادمة والبلد بحاجة إلى حماية مورد الماء الطبيعي.. التحلية ليست الحل في ظل العبث بالمياه الجوفية.. التحلية ليست خيارا استراتيجيا، ولن تكون.. التحلية لن توفر الأمن المائي، لكنها جزء من التهديد والمخاطر التي ستواجه الأجيال القادمة.. بدأنا نعيش المخاطر.. وحتى نقف على خارطة توزيع مياه الشرب على جميع مناطق المملكة.. من الضروري إعطاء شرح جيولوجي بسيط لفهم أكبر للقارئ الكريم.. وأيضا أكثر دقة عن المياه الجوفية الأكثر أهمية من التحلية. تتكون المملكة جيولوجيا من جزأين.. الأول مناطق الصخور الأولية أو الأساسية أو الأصلية أو النارية.. وكلها أسماء لنفس صخور هذا الجزء.. وهي صخور بركانية صلدة، صمّاء، قاسية.. الجزء الثاني تمثله مناطق الصخور الرسوبية أو الثانوية، وهي تفترش (ثلثي) مساحة المملكة، وهي الصخور الأكثر أهمية بالنسبة للمياه الجوفية. السؤال: ما هي الصخور الرسوبية؟! هي نتاج تفتت الصخور الأساسية بفعل الكثير من العوامل، ثم تجمّع الفتات بعد اختلاطه بالمواد العضوية، وبفعل عوامل أخرى تصلب المزيج، وتكونت هذه الصخور الجديدة، نعتها العلماء باسم: (الصخور الرسوبية)، تمثل حوالي (5) بالمئة من صخور كوكب الأرض. ֺالفرق بين الصخور الرسوبية والصخور الأساسية أن المواد العضوية تدخل في تكوين الصخور الرسوبية، بواسطة هذه المواد العضوية نستطيع قياس عمر هذه الصخور، وأيضا تحديد زمن تكونها وانتشارها، لكل عصر جيولوجي صخوره الرسوبية الخاصة، وفقا لمحتواه العضوي الذي ساد في عصره، هذا المحتوى العضوي ساعد العلماء لتحديد بداية الحياة على كوكب الأرض قبل (600) مليون سنة، استغرقت (9) عصور حتى وصلت إلى هذا العصر الذي نعيش، تكونت في ثلاث حقب زمنية، ثلاثة عصور في حقبة الحياة القديمة، ثم ثلاثة عصور في حقبة الحياة المتوسطة، وثلاثة عصور جاءت في حقبة الحياة الحديثة. الصخور الرسوبية تحمل كل ثرواتنا الموجودة في باطن الأرض من ماء وبترول، من نعم الله على المملكة أن (ثلثي) مساحتها من هذه الصخور الرسوبية المهمة، وكانت مناطقها بحرا ضحلا، إلى أن استقرت على وضعها الذي نرى قبل حوالي (2) مليون سنة، وفي المنطقة الشرقية يصل سمك هذه الصخور الرسوبية إلى عمق (5.5) كيلو متر، لكنه يقل في السماكة كلما اتجهنا غربا. أما (الثلث) الباقي من مساحة المملكة فيتكون من الصخور الأساسية، وهي مناطق الدرع العربية، التي تمثل مناطق: مكةالمكرمة، الباحة، جيزان، عسير، نجران، المدينةالمنورة. مناطق الصخور الرسوبية تحمل المخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية، هذه المناطق هي: الرياض، القصيم، الشرقية، تبوك، حائل.. مياه غير متجددة حتى في وجود الأمطار الحالية، مياه مخزونة على أعماق بعيدة عن سطح الأرض، تجمعت من آلاف السنين عبر العصور المطيرة، حيث سادت في فترات متفرقة على شبه جزيرة العرب، توجد هذه المياه في (9) أحواض رئيسية، كل عصر جيولوجي يحمل حوضا من المياه الجوفية الأحفورية، هكذا أصبحت الصخور الرسوبية، بفضل الله، الوعاء الحامل لهذه المياه الثمينة.. هنا تتضح أهمية مناطق الصخور الرسوبية للبلاد والعباد، ويستمر الحديث بعنوان آخر.