يحبون أولادهم ويتمنون لهم التميز والنجاح والتفرد إلى حد يدفعهم إلى الدخول في ثنايا شخصيات أبنائهم وتحليلها، ويجدون لأنفسهم مسوغات عدة لاتخاذ القرارات بدلا عنهم والدخول في أدق تفاصيل حياة أبنائهم، حتى يتسببوا في إفسادها عن غير قصد. آباء يختارون لأبنائهم كل شيء، حتى المأكل والملبس، لذلك يشبهم العلماء بالطائرة العمودية التي تظل تحوم حول الهدف، وهدف هؤلاء الآباء أبناؤهم، حيث يحافظون على الطواف حولهم والتدخل في كل شيء وملازمتهم كظلهم ولا يفارقونهم البتة، ويرسمون واقعهم ومستقبلهم حسب تصوراتهم للصواب والخطأ وللأفضلية المنشودة. والنتيجة أولاد مبتلون بضعف في التقدير الذاتي للمسائل، وبشخصيات عادة ما تكون مهتزة ومرتبكة مع غياب كبير في الثقة بالنفس وانعدام النضج والافتقار إلى التجربة ما قد يورط هؤلاء الأبناء أحيانا في سلوكيات خطرة. فلا يجب أن تستغرب يوما ما إلى حظر إحدى طالبات أو طالبي التوظيف في مقر ما رفقة الوالد أو الوالدة، فوراء هذا السلوك مبررات على رأسها أن صاحب هذا السلوك هو ضحية لما يسمى "بالآباء الهليكوبتر". هؤلاء الآباء يرون هذا السلوك وسيلة لضمان جهوزية أبنائهم لدخول معتركات الحياة وتحصينا لهم ضد مطباتها، لكنهم قد لا يعون أو يتجاهلون تبعات هذا السجن من الرقابة والتدخلات والاهتمام المبالغ فيه الذي أحاطوا به أبناءهم إلى حد سلب إرادتهم، ولا يقدرون التبعات الخطيرة لهذه التربية القائمة على التقييد المطلق. فهذا السلوك يطرح جيلا مبرمجا ومهتزا، ولكن المعلومة الخطرة في هذا الإطار مفادها، أن علاقة هؤلاء الآباء بأبنائهم معقدة وممتدة الأنفاس. فهؤلاء الآباء الذين لا يتعبون من فرض الرقابة والتدخل المبالغ فيه، لا تتوقف جهودهم المضنية في نحت الصورة المثالية التي يحملونها في مخيلتهم لأبنائهم في محطة اختيار الدراسة والعمل والزوج أو الزوجة المناسبة لهذا الابن أو البنت، وإنما يمتد سيل عطائهم إلى أبناء هؤلاء الأبناء الذين كانوا ضحية لتحليقهم المبالغ فيه فوق عوالمهم، ويواصلون في التحليق حتى آخر أيام حياتهم. فهناك إحصائيات عدة اليوم تشير إلى أن حوالي 33 بالمئة من الجيل الحالي يقرون بالتدخل المفرط لآبائهم في تفاصيل حياتهم، وأن واحدا من كل 10 رافق ابنته أو ابنه عند إجراء مقابلة العمل، وعندما يتعلق الأمر باتخاذ قرار القبول الوظيفي اعترف 7 من بين 10 أن عليهم التحدث مع أهاليهم أولا. وقد وجدت الكثير من الأبحاث أن أطفال الآباء الهليكوبتر عادة ما يكونون معزولين في المدرسة وضعفاء في الدراسة ويعانون من فرط الخجل وعدم القدرة على الإفصاح عن آرائهم ومقاصدهم.