هل ينبغي على بريطانيا البقاء في الاتحاد الأوروبي أم الخروج؟ ما بين الآن ووقت إجراء الاستفتاء في الثالث والعشرين من يونيو، سوف يقدم الطرفان الحجج الخاصة بهما باقتناع تام. وهذه العروض من حالات اليقين هي عروض زائفة. حيث إن الخيار هو دعوة أقرب مما قد يقبل به أي من الجانبين. من جانب، لن تكون النتيجة النهائية مقدرة بما تقرره بريطانيا في ذلك اليوم. سواء بقيت أم خرجت، يعتمد كل شيء على كيفية تطور الأحداث فيما بعد. إن قرار المملكة المتحدة يعتبر هاما جدا ليس لأنه سوف يتسبب في استقرار الأمور، ولكن لأنه يقدم مجموعتين مختلفتين تماما من التحديات - وهو خيار متوازن بشكل دقيق بين نوعين من المستقبل الصعب جدا. تخيل أن بريطانيا تصوت للانسحاب من الاتحاد. ماذا سيتطلب النجاح حينها؟ إن قائمة المهام ساحقة. أولا: قد يتعين على الحكومة التفاوض بشأن انفصال ودي- انفصال يبقي على معظم أو جميع الحريات في السوق الموحدة في مكانها الصحيح (وبالتالي تجنب حدوث صدمة اقتصادية ضارة) في الوقت الذي يجري فيه استعادة قدر مفيد من السيادة السياسية (وبالتالي تبرير المحاولة بأكملها). الآن، هذا الطموح، من ظاهره، لا يبدو أحمق، كما يتصور كثير من مؤيدي فكرة البقاء في الاتحاد. بالنسبة للبعض منهم، تعتبر فكرة الحكم الذاتي وهما كبيرا. ويقولون إن بلدا متوسط الحجم كبريطانيا قد لا تكون لديه أي سيادة مفيدة بالفعل خارج الاتحاد الأوروبي مما لديه في داخله- في الواقع، ربما تكون لديه سيادة أقل، لأن هنالك قوة في الأرقام. خارج الاتحاد، ربما تبقى حكومة بريطانيا مقيدة بسبب القوى الجغرافية السياسية والاقتصادية، وربما يكون لديها أصدقاء أقل: السيادة، في الواقع، تعتبر أسطورة. هذا الرأي، رغم أنه واسع الانتشار بشكل مدهش في أوساط النخبة، إلا أنه كلام فارغ. هل لدى كندا بالفعل سيادة مفيدة أكبر من كاليفورنيا مثلا؟ بالطبع. عندما تقوم كندا بصياغة قوانينها، تكون مقيدة بالاقتصاديات والجغرافيا السياسية، والله أعلم ماذا أيضا، لكنها لا تزال مسؤولة عن صياغة قوانينها. حيثما يجب إبرام المقايضات، تختار كندا كيفية القيام بذلك. ولاحظ، إن شئت، أن خيارات كندا تعتبر مميزة: إذ أنها لا تشبه أمريكا. هنالك اختلاف واضح في النوع، وليس فقط في الدرجة، بين قدرة كندا على حكم نفسها وقدرة كاليفورنيا على ذلك. السيادة ليست أسطورة. علاوة على ذلك، في ظاهرها، لا يوجد أي سبب يمنعك من دمج حريات السوق المشتركة مع سيادة وطنية أكبر من التي يمتلكها أعضاء الاتحاد الأوروبي الآن. لم يكن التكامل الاقتصادي العميق يتطلب وجود عملة واحدة، وبرلمان أوروبي وأخيرا محكمة عدل أوروبية (المحكمة العليا في الاتحاد الأوروبي). لو أرادت أوروبا ذلك، كان بإمكانها في الواقع الموافقة على إجراء انفصال ودي، محافظة بذلك على معظم مزايا السوق الموحدة المشتركة في الاتحاد ولكن تسمح لبريطانيا بالتنحي جانبا عن المشروع السياسي. مع ذلك، لن تفعل أوروبا ذلك. إن تآكل السيادة الوطنية يعتبر واحدا من الأهداف المعلنة للاتحاد الأوروبي - مصيره المحتوم، إن صح التعبير. أما الحكومات الأخرى في أوروبا فلن تساعد بريطانيا في إثبات جدوى المزيد من التكامل الاقتصادي جنبا إلى جنب مع تكامل سياسي أقل. والانقسام لن يكون وديا، وأوروبا في موقع يجعلها قادرة على إرغام بريطانيا على دفع ثمن خروجها. يقول مؤيدو فكرة الخروج إن هذا لن يحدث. وقد يكون في مصلحة أوروبا، بحسب ما يقولون، أن يتم ربط المملكة المتحدة مع السوق الموحدة بقدر ما يمكنها: حيث إن أوروبا قد تكون تؤذي نفسها بصد الباب في وجه المملكة المتحدة. والالتزامات بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية قد تحد من نطاق الانتقام في أية حال. هم على حق بشأن المكان الذي تصب فيه مصالح أوروبا الاقتصادية، لكن هذا ليس هو الأمر المهم. قد تشعر بعض حكومات الاتحاد الأوروبي بالسعادة في إيذاء نفسها قليلا وإيذاء بريطانيا كثيرا - كما تعلم، من أجل تشجيع الآخرين. (الغريب أنه ينبغي على المناهضين لليورو، من بين جميع الناس، أن يقيموا حجتهم على مسألة الصداقة والعقلانية الخاصة بحكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى). أما بالنسبة لالتزامات منظمة التجارة العالمية، يصل نطاق إمكانية الوصول بموجب قواعد السوق المشتركة في أوروبا لما هو أبعد كثيرا. لدى المملكة المتحدة الكثير لتخسره فيما لو قرر الاتحاد الأوروبي بأن يكون غير مرحب بها، وأراهن بأن الاتحاد سيكون كذلك. قد يكون ترتيب حدوث الانفصال بشروط مفيدة مع وجود قرين سيء أمرا صعبا - لكن هذا فقط العنصر الأول في القائمة. قد تحتاج المملكة المتحدة أيضا إلى التفاوض بشأن اتفاقيات تجارية جديدة مع جميع شركائها من غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهذا يحتاج إلى جهود ضخمة. كما قد تحتاج أيضا إلى إعادة التفكير في تحالفاتها العسكرية والأمنية، في وقت يزداد فيه القلق إزاء روسيا والشرق الأوسط. والأهم من ذلك كله، قد يتعين عليها التعامل مع العواقب السياسية المحلية. وقد يعاني كاميرون من أجل البقاء كرئيس للوزراء. كما قد تطالب اسكتلندا بإجراء استفتاء حول الاستقلال. وقد يكون هنالك ضغط لتقييد الهجرة و/أو زيادة حواجز الاستيراد كانتقام من الاتحاد الأوروبي غير الودي. (نعم، أحيانا ما تعمل التزامات الاتحاد الأوروبي على إلزام الأعضاء بالتصرف في مصالحهم الأفضل: الآن ولاحقا، ستبقى السيادة هي القوة للقيام بأمور حمقاء، وأنت قد تكون أفضل حالا من دونها). إن إنجاح الخروج قد لا يكون أمرا مستحيلا، لكن مع وجود قائمة مثل هذه للتعامل معها، تكون الاحتمالات معاكسة. هل هذا يعني أنه ينبغي على بريطانيا البقاء؟ في الواقع، لست متأكدا من ذلك. إن إنجاح عدم الخروج قد يكون أيضا أمرا صعبا. وأود القول إن الاحتمالات ستكون معاكسة لذلك أيضا.