"مشغول" حرمتنا الكثير، رغم أنك عندما تتابع حال قائلها، لا تجد من الإنجازات ما يوازي هذا الانشغال!. بل إن "مشغول" المزورّة أصبحت سبباً في تحويل البيوت إلى جحيم، وقطيعة الأرحام، والفشل في العمل، وفوق ذلك أمراض تبدأ ولا تنتهي!. فبعض الأزواج يتفنن في تفريغ ضغوطه بتدمير قلب زوجته وعقول أبنائه، والبعض أيضاً لا يعرف أقاربه إلا عند التقاعد، أما قبله فهو مشغول ولن يكسب منهم إلا زيادة الأشغال، كما أننا نرى آثار اعتقاد بعض الموظفين أنهم مشغولون بأعيننا عندما نراجع إداراتنا الحكومية ونسمع ونرى ما لا يسرنا!. لقد تغير مجتمعنا كثيرا خلال الأعوام الماضية، فمن خلال سعينا الحثيث للحصول على كل شيء والقيام بكل شيء، صنعنا بيننا ثقافة الانشغال وصدقناها!. بل إننا أصبحنا نمتدح الرجل لانشغاله، ونظن أن الانشغال الدائم فخر، فترانا نتفاخر ونتباهى بقلة نومنا، وبأننا مثقلون بالعمل، والسبب لأننا نتطلع إلى الشعور بإشباع الذات والأهمية، فقد أصبح الانشغال بالنسبة للنساء والرجال في عصرنا الحديث بمثابة دليل على المكانة الاجتماعية والمادية. من رأى أحوالنا على جميع المستويات، يعلم أننا بحاجة ماسة إلى التخلص من الانشغال المزيّف، ولكي يتحقق ذلك نحتاج: أن نسأل أنفسنا ونجيب بصدق: لماذا أنا مشغول؟ وبم أنا مشغول؟! وأيضاً علينا أن نملك الشجاعة للتخلص من غير الضروري من الأشغال، أما إن كنا سنسير وفق قاعدة: من فضلك، قدم لي نصيحة في خطابك التالي، وأعدك بألا أعمل بها، فإننا لن نتغير أبداً! وحتى يتحقق ذلك علينا أن نعترف بفوضويتنا، وأننا قد كبلنا أنفسنا بأشغال ليست أشغالاً في الحقيقة، بل إنها أخرت الأشغال الحقيقية حتى راكمتها، وعلينا أن نجعل أنفسنا في مقدمة أولوياتنا، وأن نسارع لحل مشاكلنا، وأن ننظر في الأشخاص والنشاطات من حولنا، فما كان غير ضروي أو يتسبب في إفساد حياتنا علينا أن نتخلص منه عاجلاً!. أيضاً علينا أن نتفنن في جعل عملنا - وبيوتنا - أكثر ذكاءً لا أكثر مشقة، بأن نهتم بتصميم بيئة العمل، ووضع قائمة بالمهام الرئيسة وجعلها جزءاً من الخطة اليومية، مع التخطيط للغد من اليوم، وتحرير النفس من أسر شبكة الانترنت، وتعويدها على ممارسة فن الرفض ومواجهة الزملاء السلبيين!. كل ما سبق كان نقلا عن كتاب جميل بعنوان "مشغول جداً لصالحك! أنجز مهام أكثر في وقت أقل وبطاقة أكثر"، للكاتبة كوني ميريت بتصرف طفيف، ولعل في عرضه تحريراً لأسرى الانشغال المُزَيّف.