أنت مشغول، وأحياناً تشعر أنك مشغول جداً، ليس لديك الوقت الكافي حتى للتوقف، أو حتى التفكير فيما أنت فيه، أو فيما ستنشغل به وأهميته. أنت مشغول كما تروّج للآخرين، وهذه ليست القضية، ولكن تصل أحياناً إلى إقناع نفسك بهذا الانشغال الجاد، والوهمي كلما أردت الهروب أو الابتعاد إلى ما يحفظ ويعيد إليك توازنك. تتأسف لصديق من أنك لم تتصل به رغم أن الظروف التي مر بها كانت تستدعي السؤال والمؤازرة لكن انشغالك حال دون ذلك. الغريب أن هذا الصديق يستوعب ما تقوله، ويزيدك بأن الجميع مشغول، ولكن لا نطلب إلاّ أن الله يشغلنا بطاعته سبحانه وتعالى. فوائض انشغال يعاني منها الكثيرون، والحقيقة أنها قد تكون فعلية، ولكن بالمفهوم العام المشاغل لا تنتهي، وقد تبقى وتنتهي الحياة. ومع تكرار صور الانشغال يفشل الإنسان في إقامة توازن حياتي صحيح يتواءم فيه مع انشغاله، ومع حياته الطبيعية التي قد لا يجد أي ملمع فيها من ملامح الاستمتاع. المدهش أن وجوه الانشغال تعددت، ولم يعد الشخص المشغول يقف على حدود عمله، أو ارتباطاته الاجتماعية، أو ما يتعلق بالعائلة أو تفاصيل الحياة اليومية، بعد أن تداخل الانشغال بما يفتح أبواب الرزق، بما يفتح أبواب المتعة، فالطفل قد تجده مشغولاً كما يرى، وكلما نادته الأم رد إنه مشغول، ولا يستطيع حتى تناول طعامه، وعندما تحاول فهم هذا الانشغال الطفولي قد تجده حاضراً في بقائه أمام ما استحدث من أجهزة حاسوب يجدها قمة متعة الانشغال وقد يبقى أمامها ساعات طويلة أكثر مما يبقى فاتحاً صفحات كتبه. هو مشغول حسب رؤيته، وتفسيره للانشغال، الذي يختلف من شخص إلى آخر. زوجة تقول عن زوجها إنه دائماً في مجلسه يغلق الباب، وكلما اتصل عليه أحد قال إنه مشغول، وعندما يطرقون الباب يصرخ إنه مشغول، وفور أن ينتهي من انشغاله سيرى ماذا يريد هؤلاء المزعجون. هو مشغول فعلاً ، كما تقول زوجته باستخفاف ، بمشاهدة مباريات كرة القدم بل إدمان المتابعة، حيث إن وقته كاملاً بعد الظهر يخصصه للمتابعة ليس للدوري السعودي، بل لكل المباريات الأجنبية في مختلف الدوريات العالمية، ومن ثم يتفرغ للتحليل الرياضي، وزاد عليها حالياً البرامج الرياضية، ومن ثم المتابعة لما يكتب في الإنترنت، والحمد لله أنه في مجلسه ومع تلفزيونه وقنواته واشتراكاته المتعددة. هي تعترض على هذا الانشغال الوهمي كما تراه، والذي قد يدفع المتابع العاشق الولهان أحياناً للكرة لعدم الرد حتى على الهاتف أحياناً عندما يكون منشغلاً بمباراة حية، فلا يعنيه من اتصل بقدر ما يعنيه أنه مهتم بالمتابعة، وهذا المزعج الفاضي، عليه أن ينتظر حتى بعد انتهاء المباراة. واعتراضها المتكرر على انشغاله الوهمي لا يعنيه، لأن فهم الانشغال دائماً نسبي من شخص إلى آخر. فمن يظل متأملاً أمام البحر لساعات يرى أنه مشغول بتصفية داخله، وقد يفسر الآخر ذلك بأنه فاضي ولا عمل له. وأنه ما معاه شيء يسويه، لكن في كل الحالات يغيب التقييم الصحيح للانشغال من شخص إلى آخر، وقد يخنقك من يتدخل في تفاصيل انشغالك ويعاتب لعدم السؤال رغم معرفته ، إن كان يعرف ، أن الجميع مشغول وأن الحياة بمتاعبها باتت أشبه بحلقة انشغال. أنت مشغول بما يشغلك، ويمتعك أحياناً، وهو مشغول أيضاً بما لديه، لذلك يصبح السؤال لاغياً فيمَ أنت مشغول به؟