يبدو سجل الاساءة للدولة اللبنانية حافلا في تاريخ "حزب الله" منذ أن قرر الانخراط بالعمل السياسي والحكومي في العام 2005 للحصول على الحصانة التي تخوله التمادي أكثر فأكثر في تنفيذ املاءات ولاية الفقيه، وهو السجل الذي ظهر في أوضح صورة في 7 آيار/مايو 2008 عندما نفد صبره وأراد ان يقدم للبنانيين نموذجاً صغيراً "عما يمكن فعله" عندما تعارض قرارات الدولة "مشيئته وأهدافه"، حيث لعل آخر الإساءات محاولاته في فصل لبنان عن محيطه العربي بعيدا عن التهجم المستمر على الدول العربية الشقيقية والتي لطالما دعمت لبنان وساندته. مشروع أمني لا يعيش إلا في الأزمات رأى الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين في تصريح ل"اليوم" انه "منذ البداية الاستراتيجة الايرانية قامت على اعتبار "حزب الله" أحد أذرع ايران التي أسسته في العام 1982"، قائلاً: "في الأساس كان الزخم والدعم الايراني كان يأتي الى مجموعات من خارج الدولة"، وأوضح "الدعم السياسي والمادي وما الى ذلك ممكن ان تقوم به بعض الدول لبعض الافراد او المجموعات ولكن دائماً كان يترافق ذلك مع دعم الدولة، اما بالنسبة الى ايران كان دائماً هدفها الاساسي هو دعم مجموعات داخل الدولة اللبنانية بشكل مباشر وهذه المجموعات تتميز بكونها مجموعات مسلحة ولعل "حزب الله" كان النموذج لهذا الامر منذ البداية". ولفت الى ان "مشروع "حزب الله" منذ البداية هو مشروع يستفيد من الدعم الايراني والتوجيه الايراني لترسيخ وجوده كمجموعة أمنية عسكرية مستقلة عن الدولة اللبنانية ولها حرية حركة وتأثير وفاعلية شاهدنا ذلك بعد اتفاق الطائف وتطور الى ما بعد العام 2005، عندما انتقل "حزب الله" من المشاركة في مجلس النواب في العام 1992 الى المشاركة في الحكومة في 2005، وهذه المشاركة في الحكومة نقلته من مستوى الاستفادة من الدعم الخارجي الى الاستفادة من الدولة اللبنانية بمعنى انه من خلال مشاركته في السلطة والحكومة وفر له ذلك ان يدخل في نظام المحاصصة الداخلية وبالتالي اصبح لديه مصدران للدعم مصدر يأخذه من الدولة اللبنانية ومصدر خارجي توفره إيران له، بالاضافة الى كونه تنظيماً أمنياً عسكرياً له حرية الحركة أيضاً وفرّ له ذلك قوة من أجل الاستفادة للحد الأقصى، بمعنى ان "حزب الله" كما يعلم وكما قال كثيراً من الوزراء انه يستفيد من عنوان "المقاومة" ومن مطار بيروت والمرافئ اللبنانية سواء تحت عنوان "الاتيان بالسلاح" وما الى ذلك والجانب الأمني، يوفر له ذلك منافذ خاصة لا نعلم كيف يستخدمها ويستثمرها خارج القانون فضلاً عن ان الحدود اللبنانية السورية مفتوحة له مما وفر له عنصرا إضافيا من أجل تعزيز موقعه ودوره". وأوضح "عندما نقول أن الحزب دولة داخل الدولة يكون تعريف موضوعي، لذلك ذهب الحزب باتجاه مشروعه الخاص على حساب الدولة وإضاعفها بحيث كلما قوي "حزب الله" كلما ضعفت الدولة والعكس صحيح، فهذه المعادلة واضحة بكل المسار الذي عشناه في لبنان وهذا يؤكد فكرة ان مشروعه لا يتلاءم مع فكرة الدولة". وجدد الامين التأكيد على ان "حزب الله يستخدم خصوصيته الأمنية والعسكرية واستقلاليتها ومصادر التمويل الخارجي والدعم الخارجي ويستثمر وجوده داخل الدولة اللبنانية كل ذلك ي دعم مشروع نفوذ خاص اسمه "حزب الله" واسمه الذراع الإيرانية في لبنان، بشكل يوفر له ذلك التحكم بمفاصل الدولة والسيطرة على هذه المفاصل او على الأقل يستطيع أن يجيّرها لصالحه من دون ان تكون هذه المفاصل في مواجهة مشروعه". اضاف: "مما لا شك فيه ان هناك مظاهر عديدة تندرج تحت سياق تعزيز القوة الذاتية على حساب مشروع الدولة ولعله تجاوزه لكل الأعراف والمعطيات القائمة على فكرة احترام السيادة والدولة اللبنانية وانخراطه في القتال بسوريا والذي اظهر من خلاله قدرة على تجاوز كل الحدود دون ان يستطيع خصومه او الدولة اللبنانية لجم هذا الخيار". واعتبر ان "هذا المشروع ليس له افق إيجابي بمعنى ان مشروع "حزب الله" هو مشروع قتالي ولا يعيش الا في سياق الازمات والحروب لأنه لا يمتلك رؤية ومشروعا للدولة. يرى لبنان جزءا من دولة "الولي الفقيه" اوضح الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب في تصريح ل"اليوم" انه "منذ العام 2005 و"حزب الله" شريك في السلطة وجزء من الحكومة اللبنانية، حيث كانت البداية مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الا انه لم يكن هنالك "هفوات" في حكومة ميقاتي كونه كان يتطلع الى ما يسمى ب"الحلف الرباعي" الذي ابرم في انتخابات العام 2005 والذي سمح للحزب بالحصول على كتلة نيابية "وازنة" كونه كان يعلم ان قوى المعارضة الممثلة آنذاك ب"تيار المستقبل" والحزب "التقدمي الاشتراكي" وحزب "القوات" اللبنانية وحزب "الكتائب" قد يكتسحوا كل الانتخابات النيابية، لهذا أنشأ حلفا رباعيا تمكن من خلاله من نيل نسبة كبيرة من عدد النواب وهكذا أصبح شريكاً في السلطة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والتي ارتكب فيها "حزب الله" أول خطأ إستراتيجي حينما خطف الجنود الاسرائيليين ودخل في حرب مع اسرائيل سميت آنذاك ب"حرب تموز" من دون علم الحكومة وعندها ورط الحكومة ولبنان بحرب مدمرة". وأشار الى ان "حزب الله ومنذ البداية كان يقوم بالمهمة الموكلة اليه وهي التحالف مع النظام السوري الذي هو الذراع الطولى لإيران في لبنان كونه جزء من السياسة الايرانية، حيث أثبتت الاحداث التي جرت في الفترة الاخيرة هذا الامر"، قائلاً: "عندما خرج النظام السوري من لبنان في العام 2005 قرر "حزب الله" عندها القيام بالدور الذي كان يقوم به النظام السوري اي ان يحكم لبنان بعد انفلات القبضة السورية عن البلد، وها هو اليوم يسعى إلى ان يحكم لبنان لهدف بات معروفاً للجميع، حيث وسبق لنصرالله ان قاله في احد خطاباته في اواخر الثمانينات وعندها لم يكن اميناً عاماً فقال "ان مشروعنا لا ان يكون لبنان دولة اسلامية بل ان يكون جزءا من الدولة الاسلامية التابعة لولاية الفقيه لايران"، أي أنه يعتبر ان لبنان هو جزء صغير من ايران ولا لزوم لكي يكون هنالك دولة اسلامية في لبنان، بل المطلوب ان يكون لبنان ولاية ايرانية في المنطقة لذلك دخل الى الحكومة لفرض هكذا خيارات وبالتالي اجراءاته والخطوط الحمراء التي يضعها أمام الدولة اللبنانية هي التي تثبت ان لبنان لا يزال بالنسبة الى "حزب الله" ليس الا مقاطعة ايرانية ويجب ان يبقى كذلك، وهو لهذا لا يكترث ان قاطعت الدول العربية لبنان أو عاقبته، فهو غير معني بتجويع الشعب اللبناني، جلّ ما يعنيه هو المشروع الاكبر وهو ان يكون لبنان جزء من ولاية الفقيه". ورأى دياب أن "هدف "حزب الله" في المرحلة المقبلة بعد كل المراحل التي مرت والذي بات أزلامه يرددون ذلك، انه اذا تطور الوضع السياسي والامني سيسعى الحزب الى طرح المؤتمر التأسيسي الذي سيفرض الصورة التي سيكون عليها النظام اللبناني في المرحلة المقبلة والمؤتمر التأسيسي يعني نسف اتفاق الطائف والبحث عن صيغة حكم جديدة في لبنان تكون على أساس المثالثة والتي أحد وجوهها أن تكون ثلث السلطة للشيعة (ايران) والثلث للمسيحيين والذي يرى "حزب الله" انه اذا كان ميشال عون يمثل المسيحيين يعني هم جزء من مشروعه والثلث الاخر يكون لباقي المكونات الاسلامية اي السنة والدروز، واعتقد ان هذه الخطوة يطمح لها "حزب الله" وطالما ان هناك جزءا كبيرا من اللبنانيين يقفون في وجه هذا المشروع فلن يتحقق".