تنوعت الوسائل القانونية والنظامية التي تهدف إلى حماية حقوق الدائنين والحفاظ على الضمان العام، حتى يتمكنوا من استيفاء حقوقهم، حيث وضع المنظم تحت تصرفهم العديد من الوسائل النظامية التي تتفاوت قوتها وفعاليتها تبعًا لنوعية الوسيلة التي تهدف إلى حماية حقوقهم من أية مخاطر قد تطرأ عليها، حال ثبوت غش المدين أو إهماله أو حال تعرض مركزه المالي للاضطراب، ومن بين هذه الوسائل الحجز التحفظي الذي يمكن اللجوء له من أجل إبقاء ذمة المدين المالية على حالتها الراهنة، ومنعه من إجراء أي تصرف قد يؤدي إلى تهديد أو إضعاف الضمان العام للدائنين. ويعرف الحجز التحفظي بأنه: "ضبط المال ووضعه تحت يد القضاء؛ لمنع المحجوز عليه من التصرف فيه تصرفًا يضر بحق الحاجز". ويفهم من ذلك أن الحجز التحفظي هو مجرد إجراء وقائي يهدف إلى وضع المال تحت يد القضاء بغية منع صاحبه من القيام بأي عمل من الأعمال القانونية أو المادية التي يترتب عليها إخراج هذا المال من الضمان العام للدائنين، من أجل الحفاظ على حقوق الدائنين، في الحالات التي يخشى فيها من فقدان الدائن لضمان حقه، أو عند ظهور قرائن يخشى معها فوات حق الدائن. ومن خلال الحجز التحفظي يتم غل يد المدين من التصرف في أمواله إما بنقل ملكيتها إلى الغير أو بتهريبها إلى الخارج أو بإخفائها، بعيدًا عن التنفيذ عليها من قبل القضاء، وأي تصرف من هذا النوع يصدر عن المدين مع وجود الحجز التحفظي يعد باطلًا ولا يرتب أي أثر نظامي. وبالتالي فإن رقابة القضاء على أموال المدين لا تهدف مباشرة إلى بيع هذه الأموال للوفاء بحقوق الدائنين منها، كما هو الحال في الحجز التنفيذي، وإنما الغاية تكمن في منع المدين من التصرف في أمواله تصرفًا قد يضر بحقوق الحاجز (الدائن). ويشترط لتوقيع الحجز التحفظي أن يكون الدين محقق الوجود وحال الأداء، ولا يلزم أن يكون معين المقدار، فلا يجوز توقيع الحجز التحفظي بدين احتمالي، أو بدين معلق على شرط، وكذلك لا يجوز توقيعه أيضا بدين لم يحل أجله بعد. ولا يشترط لإجراء الحجز التحفظي أن يكون هناك دعوى سابقة وحكم قضائي نافذ، بل يمكن لصاحب الشأن التقدم بطلب إيقاع الحجز التحفظي على المدين قبل بدء الدعوى القضائية أو أثناءها، ولا يشترط أن يسبق ذلك أي إجراء أو حضور للمدين، بمعنى أن الحجز التحفظي لا تسبقه مقدمات التنفيذ، لأن الغرض منه إيقاع الحجز بشكل مفاجئ منعًا للتصرف في الأصول، عينية كانت أو نقدية. وتكون الجهة المختصة بإيقاع الحجز التحفظي، وفقًا لنظام التنفيذ الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/53) وتاريخ 13/8/1433ه، هي المحكمة المختصة بنظر الدعوى الأصلية، أي المحكمة التي تنظر الدعوى التي بسببها طلب المدعي توقيع الحجز التحفظي، وفي هذا الشأن تنص المادة الثالثة والعشرين من نظام التنفيذ على أنه: "يكون للجهة المختصة نظامًا بالنظر في النزاع سلطة الأمر بالحجز التحفظي، وفقًا لأحكام القضاء المستعجل". ومن بين أحكام ومواد القضاء المستعجل الواردة في نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 22/1/1435ه المادة الخامسة بعد المائتين التي نصت على المحكمة المختصة بنظر الموضوع، حيث نصت هذه المادة على أنه: "تحكم المحكمة المختصة بنظر الموضوع بصفة مؤقتة في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها فوات الوقت والمتعلقة بالمنازعة نفسها، ولا يؤثر هذا الحكم على موضوع الدعوى، سواء رفع طلب الحكم بالإجراء المؤقت مباشرة أو تبعًا للدعوى الأصلية". وسوف نكمل الحديث حول بعض الجوانب القانونية ذات العلاقة بهذا الموضوع في المقال القادم إن شاء الله تعالى. محام ومستشار قانوني