ليست الوطنية موجة تحركها الأحداث، ولا شعارا يذكرنا به أحد، ولا فكرة نستلهمها عند النوائب، ولا كلمة يتبجح بها المطبلون.. تعودنا عند الاساءة لوطننا أن تكون ردة الفعل من البعض وقتية، تتمثل في أن يشكك في هذا ويستعدي هذا على هذا ويطبل لهؤلاء ويقصي غيرهم ويستدعي في خياله أفكارا من هنا وهناك، ويدخل في النوايا ويتوهم ليتهم حتى يجعل من نفسه أداة تحقق الأهداف لكل ما يتمناه ويسعى إليه الأعداء.. في ثقافتنا المجتمعية ووعينا الوطني، لا نعرف حقيقة ذلك التمايز والتصنيف الذي يدعيه البعض أو يفسره البعض الآخر؛ ليجعل منه اتهاما لغيره من انتماءات فكرية وتيارات وهمية لا واقع لها إلا في عقول من يتبارون عليها ويشغلون أنفسهم بها؛ لتكون نخبويه لا تتعدى مجالسهم الشخصية.. وينشغل بها من لا يهتم بالأهم ليكون منه ما لا يهم.. نحن في واقعنا الذي عرفناه ونؤمن به مجتمع محافظ بالفطرة، ليس هناك من هو وكيل عنا في ثوابتنا ولا يحق لأي كان أن يخطط أو يرسم لمسالك تخالف قناعتنا.. البعض ممن جعلوا من أنفسهم رموزا للرأي والفكر في واقعنا، هم بعيدون كل البعد عما يريده مجتمعهم منهم؛ لأنهم -وبكل أسف- يحاورون ويتجادلون بعيدا عن كل ما لا يمت للمصلحة العامة ويسترجعون ماضيا يشتت ويتغافلون عن مستقبل أجيالنا.. الشعوب المدركة هي من تتنافس في العطاء بالعمل والإنتاجية، بعيدا عن المماحكة وتبادل الاتهامات والترصد وتضخيم الهفوات، والاتفاق بأن تكون أولوياتها كل ما يعود على الوطن بالخير والنماء.. الدول المتطورة تمنح الجنسية للقادرين على الإضافة لمجتمعاتهم في المجالات العلمية والاقتصادية والثقافية؛ ليكون مواطنا له حق المواطنة وعليه واجباتها، في وقت بعضنا وباسم تصنيف الوطنية يشكك ويقصي من هو مواطن مثله.. سئمنا مدعي الوطنية والمزايدين على حب الوطن ممن يتبارون بعنصرية أقوالهم وتوجهاتهم الطائفية وتياراتهم الإقصائية ونظرتهم القاصره؛ ليوهموا أنفسهم قبل غيرهم بوطنيتهم المتزلفة، والتي لا تعدو إلا أنها مجرد شعارات، لا نتائج ولا براهين تثبت حقيقتها، أو تشهد على إيمانهم وقناعتهم بأن الوطن للجميع، ليكون الشعور المهيمن على النفوس والجاذب لكل القلوب هو حب الوطن الذي يصنفه الإخلاص والولاء..