منذ زمن وأنا أتحاشى الدخول إلى منصة تويتر ليس تعاليا أو تجاهلا أو تفانيا في التقوقع مع ذاتي ولكن لأني بطبيعتي لا أحبذ الساحات المفتوحة وأمقت الاتجاهات الخفية والمجالات العشوائية وبعد إلحاح وإصحاح من بعض الزملاء وتزامنا مع إصدار كتابي مؤلفات من ربوع الوطن آثرت الدخول «راغما» الإفادة مرغما على الاستفادة مما أحبه وأراه نافعا للحالة مناقضا للاستحالة في ساحة لا تعترف بالرقيب ولا تعرف الحسيب. في تويتر تنضح الرؤى من الكبار وتنضخ التفاهات من الصغار وتتعالى أصوات منادية بالإقبال نحو موضوع مهم وأخرى تتوالى بالإدبار عن آخر سخيف. رأيت تواتر الأخبار والمعلومات وفيها ما تروس بشعار رسمي وأخرى توارت خلف «هاكرز» متخف أو منتحل شخصية مخفي بأمر الفضائح والاستعلاء على الحقيقة. سقط عديد من أصحاب الشعارات والبراءة من عيني بعد أن رأيتهم يتساقطون وراء العناوين الوهمية والخطوط الواهية بحثا عن الشهرة ورغبة في الاشتهار على حساب التاريخ والحقيقة والمنطق. يتبارى بعض التويتريين بمتابعين ممن يعرفونهم وآخرين ممن يظنون فيهم ظن الخير ثم لا يلبث بعض من بعضهم أن يمجد نفسه وأن يعمد نفسه بأنه صاحب كلمة أو موقف وأن يتدخل في أي موضوع باحثا عن ضالة الشهرة المؤدلجة. حسابات متعددة بعضها رسمية وأخرى مشبوهة ونوع وهمي تتداخل في ساحة مفتوحة لا رقيب عليها ولا حسيب فوقها. مما لا شك فيه أن تويتر بات منصة إعلامية وإخبارية ومعلوماتية تلقط المعلومة وتبث الحقيقة أحيانا وتنشر الشائعات في أحايين أخرى تتصادم فيها الأرقام بعشوائية مريبة بسبب العدد المهول للحسابات الإخبارية والناقلة للأخبار. ما بين عاجل ومستعجل ومهم وأهم تمتلئ الساحة بالمرتب والرتيب من المعلومات التي يغذي العقل بعضها وأخرى تبث فيه السموم. لا حيرة أمام التغريد لمن أحب ولا جيرة لمن أسيء له ولا غيرة تقف أمام بعضهم لاحترام نفسه أمام ما يغرد به أو يعيد تغريده ولا خيرة أمام استقبال بعض من إيحاءات مرضى نفسيين أو حاقدين ينثرون إيماءات الحسد أو علامات الحقد من خلال تفاعلهم المرضي مع تغريدات علمية أو ثقافية أو أدبية أو معلوماتية بثت للفائدة. حسابات منتحلة بأسماء علية قوم وأخرى منتهكة بأمر الشهرة ونوع أخير لا يعلم صاحبه ولا توجهه ولا وجهته الأهم التصادم والتقادم في ساحة خلاف قبل الاختلاف. يتربص بعضهم بزلات آخرين ممن يغردون بشأن موضوع ثقافي وما يلبثوا إلا أن يوصموهم بالتصنيفات الجاهزة على طبق العداء وسوء الظن فتأتي الردود ومن ثم يدخل الجميع في التراشق وعلى جانب آخر تندمج النيات الطيبة والتوافق الأدبي والاتفاق الإنساني في تغريدات تكون بوابة خير ومدخل سرور فتكون المسألة في هذا الأمر من باب الحراك الفاعل وعلى النقيض مما يحدث في حسابات أخرى من العراك المفتعل. صنع تويتر لبعض الشخصيات غرورا مؤدلجا مبنيا على النرجسية الهزلية معتمدا على من يصفق له بأنه «جهبذ» زمانه وأنه «بطل» مرحلته فيزيد الغرور في نفس الشخصية المزعومة بالإجلال المدعوم بالضلال فينتكس في هذيانه لتخرج تغريدة منه لتكشف جانبه الصحيح وأساسه الأصلي بعيدا عن قناع التزييف الذي أطلقه وردده بعده المطبلون له. عرى تويتر الجانب الخفي والوجه الآخر لبعض الشخصيات الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي كان يظن بعضهم أنهم واجهة للمجتمع حيث انتكسوا على أعقابهم خاسرين في التفاعل مع بعض القضايا أو من واقع ما يغردون به إضافة إلى ظهور الوجه الخفي لهم في التعامل مع قضايا مجتمعية وآلية التعاطي معها من واقع ذاتي بعيدا عن الموضوعية حيث أخرج تويتر الجزء الخفي في السمات السيكولوجية لهم فوقعوا في المحظور كثيرا وسقطوا في الواقع المؤلم لتوجهات بعضهم وتعامله الحقيقي الذي كان يغطيه في البرامج الفضائية بل وأفصح عالم تويتر عن أن بعضهم ارتمى في أخطاء سابقيه من خلال الانفعال غير المبرر لما يرد من قضايا أو لما يرسل إليه من وقائع أو من كلمات أو تصريحات سابقة إليه ودخل بعضهم في حرب غير عادلة مع ذاته التي ظهرت على حقيقتها. في ظل هذا الزخم أظهر تويتر الوجوه وأسقط الأقنعة أبرز الموضوعيين والذاتيين أفصح عن مكنونات الذوات المريضة وكشف عن عديد من الوجوه. تويتر منصة هادفة ومستهدفة في آن واحد تمتلك قطبي معادلة بين السواء واللاسواء بين الواقعية والتزييف بين العقل والجهل فالأجدر ونحن في هذا الفضاء الإلكتروني أن نمتلك أدوات فاعلة لتعميم الفائدة وأن نملك السمات المتفاعلة المتصالحة مع أنفسنا وأن نكتب من واقعنا الحقيقي وأن نكتب ما نفيد ونستفيد به بعيدا عن الذاتية المفرطة أو السيكودراما التي تشكل مشهدا من المنصة ولنعلم أن هذا الفضاء متعدد الفوائد فلنعرف كيف نستغل وقتنا وجهدنا في خدمة أنفسنا والبشرية من خلال تويتر.