منذ مدة لي اتصالات مع شخصيات ورموز عراقية وطنية سنية وشيعية، وجميعها تؤكد على ان لا حل لامن واستقرار العراق مطلقا، طالما ظلت الدولة العراقية الجديدة قائمة على البعد الطائفي، ولطالما ظل نوري المالكي وحشده الشعبي يؤمنون بأن الولاء لإيران مقدم على الولاء للعراق، ولطالما ظلت ايران متخوفة جدا من صحوة شيعية عربية، تعيد ترتيب الاوراق الداخلية، رغم ان ايران والحرس الثوري مستعجل جدا في عملية توريث الاحياء، ففي طهران هناك صراع قد يضطر خامنئي للاعلان عن خليفته الموعود، واذا اعلن المرشد عن خليفته فان هذا سيفرض على المرجع علي السيستاني الاعلان عن خليفته ايضا، وسيكون وليه على العراق المرجع محمود الشهرودي، وهو مرجع مقرب من الحرس الثوري ومن حزب الدعوة جناح المالكي. ايران تستشعر أن السيستاني ليس في قبضة يدها تماما، وفي الصالونات الخاصة يهمزون ويلمزون بأنه على اتصال بالسفارة البريطانية والامريكية، وهي تهم طالت ايضا محسن الحكيم، الذي كان يرتبط بعلاقة خاصة مع شاه ايران، كما ارتبط موسى الصدر ايضا، بينما ظلت المجاميع الاسلامية في ايران تشكك بالحكيم وتصفه بالعمالة والخيانة، رغم انه كان داعما لوجودهم، غير ان السبب الرئيس ليس في علاقته مع السفارات، بل لان الحكيم من عائلة واسرة عربية من لبنان في الاصل، كما هي عائلة الصدر، ولهذا فان هذه العوائل ليس لها في القاموس الايراني احترام او تقدير الا بقدر ما تقوم به من دور ووظيفة لخدمة ايران، وهذا ما قالوه ايضا عن عبدالعزيز الحكيم والد عمار الحكيم، عندما اشاعوا بأن السبب الرئيس لوفاته ليس السرطان، وانما الادمان. اللافت أن أحد الرموز والنخب الاكاديمية العراقية عمل لسنوات طوال مسؤولا عن الطب النفسي في مستشفيات الجنوب العراقي يوضح أن حجم انتشار المخدارات في الجنوب اليوم يصل الى 68% يتم التعامل معه كالسجائر، ويأتي من ايران، ولكن الحقيقة المخيفة في الموضوع ان نشر المخدرات من ضمن استراتيجيات ايران، وذلك بالاعتماد على المهربين وتجار السلاح والمخدرات، وقد ارتبطت بين طهران وتجار المخدرات في افغانستان علاقات وثيقة، ولعل سبب الحرب على افغانستان وانهاء نظام حكم طالبان، ليس لاسلامية طالبان، وانما لان طالبان استطاعت ان تقضي على المخدرات وان تحدث تراجعا فيها بلغ 96% الى 4% وهو أمر كشف عن امكانية التخلص من المخدرات اذا وجدت حزما وسلطة وقضية. لسنا هنا لتجميل طالبان، وانما السبب الحقيقي للحرب ان حجم المنتجات الافغانية من الحشيش تصل الى 230 مليار دولار، وهذا رقم يتساوى وحجم انتاج دولة نفطية، وعليه كان هناك تكالب دولي على انهاء هذا النظام، وعلى اعادة زراعة المخدرات مثلما كانت سابقا، ولهذا السبب تعتبر استراتيجية ايران، وحزب الله، ان تجارة المخدرات امر عادي لسببين: الاول الحصول على الاموال، والثاني انها آفة للقضاء على المجتمعات، ولا تفرق ايران بين الشيعي او السني في هذا الجانب، فاما ان تكون مع ايران كاملا فاقدا للارادة والقيادة، واما ان تكون كغيرك من الاعداء، وفي كلا الحالتين، هي لا تستخدم الايرانيين، بل تستخدم العرب كأدوات لها، سواء في الحشد الشعبي، او تنظيم داعش، فكلا الطرفين قتلة ودمويون ولا يعبرون عن الاسلام، وهم ضد وحدة العراق واحترام سيادته وهويته. المسألة ليست هنا فقط، بل ان وحدات حزب الله الخارجية وبخاصة استخباراته، تقوم بادارة تجارة الحشيش والمخدرات والسلاح في الخارج، وكذلك تتنافس والتجار اليهود وتتعاون في الالماس الافريقي، ولهذا يرتبط حزب الله بشبكات من المافيا في ايطاليا واليونان وامريكا اللاتينية، وافريقيا، وهذه الشبكات، ليست مهمتها فقط المخدرات، بل كل شيء يدر ذهبا وفضة، وقدكانت علاقة حزب الله وايران بمحاولة اغتيال السفير الوزير عادل الجبير خير دليل على هذه العلاقة. بالامس القريب كشفت ادارة مكافحة المخدرات الامريكية (1/2/2016) " عن عملية دولية أسفرت عن اعتقال أفراد شبكة تابعة لحزب الله اللبناني متورطة في عمليات تهريب وتجارة مخدرات بملايين الدولارات بهدف تمويل عمليات إرهابية في لبنانوسوريا، حيث تم معرفة خيوط وخطوط هذه الشبكة، التي كانت تنقل الهمرات من دول امريكا اللاتينية وكندا وتذهب بها الى العراق، وتطلى بالوان همرات الجيش الامريكي، لتفجيرها في الوحدات العسكرية الامريكية وفي بعض البنايات والمؤسسات، وهي التي كان يستقلها قادة تنظيم داعش، وتم الكشف عن الكارتيل الكولومبي الخطير المعروف ب"مكتب إنفيغادو" ومكتب إنفيغادو" هو كارتيل مخدرات ومنظمة إجرامية كان الذراع الضاربة لإمبراطور المخدرات الراحل، بابلو إسكوبار، ويعمل تحت إشراف كارتيله الأساسي "ميدلين كارتيل"، وينشط المكتب تحديدا في هاتين المدينتين الكولومبيتين، إنفيغادو وميدلين، ولديه ارتباطات في الوقت نفسه بشبكات المخدرات، وبشبكة من العصابات المسلحة التي استورد حزب الله قسما منها، وكذلك الميليشيات العراقية. ما يجعلنا اكثر تحفظا على السياسات الايرانية في هذا الجانب، ان ايران ومنذ فترة طويلة وهي تعتمد دبلوماسية المخدرات والحشيش، وهذه الدبلوماسية مغايرة تماما للاخلاقيات الاسلامية والانسانية والدولية، ولكنها حالة واقعية نجدها اليوم في العراق، وفي مصانع الكبتاجون في سوريا، ورعاية رجال التهريب من قبل حزب الله، وتفنن رجال التهريب بشراء نفط داعش ونقله للخارج عبر الموانئ السورية، واتهام تركيا بذلك. ان ما تقوم به ايران في الخارج، يعكس ايضا وضعا داخليا مأساويا فتعاطي الحشيش والمخدرات في ايران في ازدياد بحسب الاحصاءات الرسمية الايرانية، وجماعة العرفان في منظومة ولاية الفقيه لا يحرمونه، ويعتبرونه واحدا من الاعمال التي تحث على النشاط الفكري، والايماني، وهو حالة من التحليق، وهذا مناف لكل الاديان التي تحث على المحافظة على الانسان وسلامته، وسلامة الثروة وعدم هدرها في الاعمال غير الاخلاقية. ان ايران لم تعد فقط دولة راعية للارهاب، بل راعية للعصابات الاجرامية ولتجارة وتهريب المخدرات، وهو أمر يبعث على الفجيعة بمن يرون ايران كمرجعية اسلامية او مرجعية لقوى المقاومة، فان اي دور لا يلتزم بمنظومة من الاخلاقيات، ومجموعة من القيم الانسانية الحامية له، فان السقوط والفشل حالة مؤكدة، ولهذه الازدواجية وقت تنكشف فيه، وتظهر فيه الحقيقة لكل مخدوع.