أكثر ما يزعجني في مجتمعنا هو التوصيف، فهذا يُصنّف على أنه إخواني وذاك علماني والآخر ليبرالي وفلان ذاك تراه شيعيا، وذاك سني وهذا مطوع والثاني حليق والثالث «سربوت» وغيرها من التصنيفات والتقسيمات التي أفضت إلى تقسيم المجتمع إلى فئات ولو لم تكن مُعلنة إلا أنها معروفة. لا أود الخوض في حكم حلق اللحية أو إعفائها، فبعض أهل العلم اختلفوا في حكمها بين الواجب والفرض، فيطلقون الفرض على ما قويت أدلته فصارت واضحة جلية معلومة من الدين ويُطلقون الواجب على ما قلت أدلته، ما يهمني في هذا الموضوع هو أن الرجل لا يقاس بلحيته أو عدمها بما أنه رجل يطيع الله ويخافه وأخلاقه حسنة، للأسف مجتمعنا وقع في خطأ كبير وشائع فأصبح الناس يطلقون صفة ملتزم و(مطوع) على من له لحية وثوب قصير، وأصبح الاعتماد الكلي على المظهر عائقا بين الصفة والموصوف، بمعنى ان اطلاق هذه الصفة ليس سهلا لدرجة ان يكون مقرونا بالشكل فقط، وهذه الصفة يجب أن تطلق على ذي الخلق والعمل الصالح، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، وما يزيد الأمر سوءاً ان هناك جمعا غفيرا من الذين أساؤوا للدين بقصد او بدون قصد. لست ضد أن الانسان يُعفي لحيته ويُقصر ثوبه أبداً، وهذه سنة رسولنا الكريم ولا يمكن ان ينكرها احد منا، لكن لا يعقل أن الانسان يبدأ التزامه بالشكل الخارجي دون ان يبدأ في التغيير الحقيقي من الداخل، ومن المعروف إذا صلح القلب صلح الجسد وتغير تلقائياً، وسوف يترك أثراً واضحا على المظهر والعكس ليس بصحيح، فليس كل من حلق ذقنه أو غيّر مظهره غير أمين أو لا يؤم المصلين أو يقلل من مكانه في المجالس ويُقدم عليه الملتحي حتى لو كان علمه متواضعاً! بعض الناس إذا تقدم لهم شاب ملتحٍ تظهر عليه علامات الصلاح الخارجي لخطبة ابنتهم وافقوا بلا تردد، وللأسف البعض يتورط فيهم فيما بعد، والبعض الآخر إذا تقدم لهم شاب حليق الذقن يقولون هذا «داج» و.... الخ! إذاً نحن من يصنّف ثم نذهب لنكّون صورة بناء على تصنيفنا وبعد ذلك نُحاسِب الناس، ورغم أنه مجرد إيمان بأفكار ولا يعني أبداً الانتماء لفئة «فالمطوّع» في نظرنا هو الملتزم بالدين ودائم الجلوس في مجالس أهل العلم ونرى فيه صورة خاصة لأننا نحن من ألبسناه ملبس الدين؛ لذلك دائما نُصدم حينما نرى «ملتحيا» يدخن، أو يسمع الأغاني وما إلى ذلك؟! صحيح أن المظهر هو بطاقة التعريف لأي شخص والانطباع الأول والناس يحكمون بالمظاهر، هذه حقيقة ولا يمكن إنكارها ولا أميل إلى إطلاق أي توصيف لمجرد الشكل، فليس كل من صفف شعره «كدش» «صايع» ولا كل من أعفى اللحية «مطوع» بمفهومي الديني! الالتزام الخارجي كوسيلة لخداع الآخرين سواء بالتغرير بالشباب أو الانتماء إلى الجماعات التكفيرية والإرهابية وتشويه صورة الإسلام كما يفعل تنظيم داعش الإرهابي لا يقره ديننا الإسلامي الحنيف ولا تجوز كذلك إساءة الظن بكل ملتحٍ لمجرد ثلة سيئة، «فالمطوّع» الحقيقي في رأيي هو الشخص الملتزم بالدين والفاعل للخير والمبتعد عن المنكرات سواء كان ملتحيا أو حليقا.