روسيا تحولت الى عامل سلبي كارثي في الأزمة السورية، دون أن تتجاهل حجم التخريب الذي تمارسه إيران بمشروعاتها التوسعية الطفيلية في المنطقة عموما، فهذه الدولة التي يفترض أنها قوة عظمى لا تتمتع بالمسؤولية الأخلاقية الكافية لتسوية الأزمات، وإنما تسير في مسار عدائي عنيف على النسق الإيراني لن ينتهي إلا الى مزيد من التعقيد والتعسف، وذلك يضر أمن المنطقة والعالم، فما يحدث في مفاوضات جنيف وذهاب روسيا لتحديد وفد المعارضة غير منطقي ولا يمكن أن يأتي بسلام، فهي تريد تفصيل معارضة على قياس مصالحها لتستخدمها في إبقاء النظام السوري ومنحه شرعية فقدها منذ أول يوم ثار فيه الشعب وأعلن رفضه. من الناحية العملية العسكرية والسياسية تحصد روسيا مزيدا من الفشل، وتستعيد تجربتها في أفغانستان، وأدخلت أرجلها بالكامل في الوحل، وأيا كانت حساباتها عندما تدخلت عسكريا لصالح النظام، فإنها بالتأكيد تغيرت ولم يعد الأمر في صالحها وهي تتورط يوميا في الحرب وتغوص بأرجلها في الوحل السوري، وذلك لا يدعم أي مسار سلمي وتفاوضي لأنه يشعرها بالخسارة كما يخسر حلفاؤها، في وقت ليس للنظام أو روسيا أو إيران عمق استراتيجي وستكون الخسارة مزلزلة ومؤلمة، لذلك يمكن تفسير الحماس للتلاعب بالزمن وزيادة الضربات ضد المدنيين المعارضين للنظام في منحى يتعارض كلية مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان، ما يجعل الدولة العظمى ترتكب جرائم ضد الإنسانية بالتصاعد كلما لاحت بوادر الهزيمة العسكرية والمعنوية وسمعة القوة العظمى التي لم تتعامل مع مسؤولياتها باحترافية. الآن أصبحت روسيا ومعها إيران كل المشكلة، ولو تم ترك الأمر للشعب السوري ليقرر خياراته لانزاح النظام، وتحقق أمن وسلام المنطقة، وأي حديث عن هذا الأمن في ظل المعادلات الحالية إنما هو نوع من الوهم وخداع النفس، لأن النتيجة النهائية ينبغي أن تكون لصالح الشعب السوري، طال الزمن أو قصر، وكل ما يخالف مصالح هذا الشعب فهو غير واقعي ولن يكون حاسما للسلام، ولا يمكن أن تتحقق مصالح الأطراف الموجودة في الساحة السورية على حساب الشعب، فذلك غير منطقي، ولذلك فإن فك تشابك الوضع يبدأ وينتهي بتراجع الروس تحديدا عن المواقف الصلبة في التدخل في نشاط المعارضة لأنها لا يمكن أن تكون الخصم والحكم والجلاد، فهي اختارت وارتضت مناصرة النظام، وعليها أن تتعامل مع طروحات المعارضة بما تضعه على طاولة المفاوضات، أما أن تحدد الأجندة وأفراد الوفد واتجاهاته السياسية فذلك غير منطقي وغير مقبول. ولذلك مع عدم صحة الأوضاع في سوريا فإن الخيارات تضيق مع ازدياد العنف وطول أمد الحرب، فلا يمكن للروس والإيرانيين والنظام أن يستمروا في وضع استنزافي غير مستقر الى ما لا نهاية، فهم يرحلون ويبقى الشعب، صحيح أنه سيدفع ثمنا غاليا من أجل حريته وتحديد مصيره، ولكنه صبر بما يكفي وسينفد صبر كل المتطفلين في سوريا، وعاجلا وليس آجلا سيتجرع الروس مر الهزيمة ومن خلفهم إيران، لأنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح، وما يحدث حاليا ليس صحيحا على الإطلاق والزمن كفيل بتصحيحه.