مع تعدد التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي في هذه الأيام، وخصوصا في ظل أسعار النفط غير المسبوقة والتي أثرت بشكل كبير على الإيرادات والإنفاق الحكومي الذي ما زال يشكل الرافد الأهم للحركة الاقتصادية السعودية، تبرز أهمية ايجاد حلول مستدامة لمواجهة هذه التحديات. فالأوقات العصيبة تختبر كافة المسلمات التي تؤسس لواقع الاقتصاد. أهم هذه التحديات التي تعمل الحكومة على حلها منذ زمن الرخاء وأسعار النفط المرتفعة يمكن حصرها في توفير الوظائف للشباب والرعاية الصحية والتعليم والإسكان، والتي يمكن اختزالها جميعا تحت عنوان واحد هو جودة الحياة. أهم العوامل التي تساهم في رفع مستوى جودة الحياة هي توفر الموارد مع توجيهها للاستخدام الأمثل وتضافر هذه الامكانيات مع كفاءة عوامل الإنتاج بالإضافة إلى عدد المستفيدين من هذه الموارد. وهذا العامل الأخير هو الأهم بالنسبة للسعودية وهو ما يميزها عن جيرانها الخليجيين. فدول الخليج لديها كميات أقل من الثروات الطبيعية ولكنها محدودة السكان، فتحتاج إلى دعم قوى العمل لديها بالأجانب. ولذلك نجد متوسط دخل المواطن في دول الخليج أعلى منه في السعودية. في العام 1974، ومع بداية الطفرة النفطية الأولى، كان إجمالي التعداد السكاني للسعودية يصل إلى 7 ملايين نسمة، يشكل الأجانب نحو 11% منهم. تضاعف عدد المواطنين في أقل من عقدين بينما ارتفع عدد الوافدين بأكثر من أربعة أضعاف، ليصل إجمالي التعداد السكاني في العام 1992 إلى 17 مليون نسمة، تشكل نسبة الأجانب منهم أكثر من الربع. واستمرت معدلات نمو المواطنين بالانخفاض التدريجي حتى وصلت إلى 2.1% في العام 2014، وهو المعدل الذي يضمن استقرار عدد السكان، ولكن استمر الاقتصاد السعودي في استيعاب المزيد من الأجانب حتى باتوا يشكلون ما لا يقل عن ثلث السكان. على الرغم من أن لدى السعودية من الموارد والمقدرات مخزونا هائلا، إلا أن مثل هذه الزيادة السكانية غير طبيعية. وهو ما ينعكس على استهلاكنا المفرط من إنتاجنا النفطي بوتيرة متسارعة عاما بعد عام. فالكهرباء تحتاج إلى وقود، وبسبب شح المياه، فنحن نحتاج إلى تحليتها بتكاليف باهظة. الأمر الذي جعل من استهلاك نحو 30 مليون نسمة يفوق استهلاك أكثر من 80 مليون نسمة في ألمانيا. ماذا لو عملت السعودية على إقرار خطة جريئة تقضي بوضع حد أعلى لعدد الوافدين نسبة إلى عدد السكان؟ مع استقرار أعداد المواطنين عند نحو 20 مليون نسمة، فإننا بحاجة إلى تقليص تعداد الوافدين بنحو 3 ملايين نسمة لتصبح نسبتهم نحو ربع السكان. ومع النمو الحاصل في الاقتصاد، فإن انخفاض إجمالي عدد السكان بمثل هذا المقدار، بشكل تدريجي، سيساهم في حل كافة معضلات مكونات جودة الحياة. فتتوفر المزيد من المساكن ويقل الطلب عليها فتنخفض الإيجارات وتتحرر أسواق العمل المحتكرة فتتوفر الوظائف. بالطبع ستؤثر الخطة على أسعار الخدمات المبنية على العمالة الرخيصة، ولكن في المقابل فإن دخل المواطن سيرتفع مع زيادة التوظيف وانخفاض تكاليف المعيشة، الأمر الذي سينعكس إيجابا على جودة حياة المواطن وكذلك أخيه الوافد الباقي في هذا البلد. انخفاض إجمالي عدد السكان ينعكس إيجابا على جودة حياة المواطن