حتى تعرف قيمة عينيك، اقرأ لطه حسين في سيرته (الأيام)، وكيف كان مصدر تهكم إخوته وزملائه، وكيف تدرج في حياته من الكتاب إلى فرنسا ومعه الدكتوراة! إنك ستعود من قراءة كتابه تتفقد عينيك، وتشكر خالقك. ولكي تدرك نعمة سمعك، متع ناظريك في قراءة حياة الرافعي، لتعرف كيف يعيش الأصم، وكيف يطويه الشقاء والهم، حتماً ستكور يديك على أذنيك، وتتخيل كيف ستغدو حياتك بدونهما. ولتعرف معنى الطفولة ارحل مع الطنطاوي في ذكرياته، حين يذكر كم كانت طفولته جداً لا هزل فيها ولا لعب، بل كانت لعبته الوحيدة هي الكتاب، هو كل شيء لديه، يقلبه إن استبد به الملل، وتمادى به السأم، ولا شيء سوى مسؤولية أخوات، وإعالة أسرة في سن مبكرة، كما كان أنيس منصور ذو الأربع سنوات، والذي تفتحت عيناه يوماً على كتاب، فتارة يبطش به، وتارة أخرى يدنيه، يصحو ممزقاً له، ويمسي معانقاً له، ولا شيء في محيطه سوى الكتاب، ستغدو بعد قراءتك لهم في رحلة إلى طفولتك وصباك، وكيف كانت خلواً من الهم والألم. ولكي تعرف معنى الحرية، اقرأ لمليكة أوفقير، عندما ولدت في بلاط الملك، وكيف آلت حياتها إلى ظلمة الزنازين، ستعود بلا شك من غياهب السجون لتتذوق طعم الحرية بالشكر، وتطير بلا قيد أو أسر. ولا تنس أن تقرأ أخيراً لنصير البائسين (المنفلوطي) في عبراته ونظراته، لتعرف كيف هم العظماء يحيون في سطورهم، وكيف يعيشون لغيرهم. هل تعرف ما الذي يجمع أبطال مقالي؟ الأعمى والأصم والشقي والبائس والسجين؟ إنه (الكتاب) كيف تدثروا به من ضجيج آلامهم، وكيف تداووا به من لهيب أسقامهم، وكيف سلوا به عن أوجاعهم، وكيف صنعوا منه مجدا، وكيف عاشوا في سطوره. إنك إن قرأت لهم حدثوك عن الجد حتى تنفض عن نفسك هزلها، وحدثوك عن الصبر حتى تتبدد أحزانك، وحدثوك عن العظمة فلم تقنع بما دون النجوم، وحدثوك عن التحدي فرأيت نفسك طامحاً مقداماً.