تفاعل المجتمع بصورة واضحة خلال الأيام الماضية مع مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حول مظاهر البذخ والتبذير في الحفلات والولائم حيث أظهرت هذه المقاطع بعض الأشخاص وهم يغسلون أيديهم بدهن العود وآخرون يضعون النقود في دلة القهوة. وظهر واضحا أن هناك رفضا كبيرا لمثل هذه التصرفات التي ينهى عنها الاسلام، وإزاء انتشار هذه المقاطع على نطاق واسع وجهت وزارة الشئون الاسلامية خطباء المساجد بتناول هذه القضية في خطبة الجمعة القادمة لتوضيح رأي الدين فيها من منطلق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تنهى عن الاسراف والبذخ. التنسيق مع الجمعيات في البداية قال الشيخ الدكتور غازي الشمري: لا شك أن العرب يحبون الكرم وهو من صفاتهم النبيلة، وكانوا يشعلون النار ويضربون الطبول علامة على أن ضيفا قد جاءهم فلما جاء الإسلام شجع على الكرم ووضع له الأجر العظيم بل وهذبه وجعله من علامة الإيمان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».. لكن اليوم صار الناس بين طرفي نقيض إما بخل وشح مزعج أو كرم «كذاب» والمقصود فيه الرياء، وعلى العموم انا لا امنع الكرم المبالغ فيه اذا تم التنسيق مع الجمعيات الخيرية والفقراء، لأنه رزق ساقه الله لهم لكن المحزن التصوير وعدم مراعاة مشاعر الآخرين، ومن وجهة نظري هذه ثقافة تبدأ من البيت فربما الأم أو الاب أو الأولاد يتساهلون بتصوير ما يأكلون بتبجح بغيض حتى للأسف استمرأ الناس هذا الأمر وهنا يأتي دور العلماء والخطباء والإعلام لتوعية الناس ويبدو أن الجميع بدأ يبغض هذه الصور والولائم المزيفة!! جهل وضلال وقال الدكتور عبدالواحد حمد المزروع عميد كلية التربية بجامعة الدمام والمتخصص في السياسة الشرعية إن الله تعالى يقول «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»، ومن أكبر أسباب حفظ النعم واستدامتها الشكر، والإسراف والتبذير خصلتان ذميمتان وهما صفتان للشيطان. واضاف المزروع: وقال سبحانه وتعالى «إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا»، وما رأيناه من مظاهر يدعي فاعلوها أنه كرم فهو جهل وضلال وحمق لا يفعله عاقل بل لا يفعله الأسوياء، وإنما هو من أفعال الجهلة الذين عبث الشيطان بعقولهم وزين لهم أعمالهم وجعلهم لا يفرقون بين الكرم النبيل والاسراف الرذيل. واشار المزروع إلى أنهم ممن قال فيهم الله «أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا»، ولاشك أن هذه الأفعال محرمة شرعا وقبيحة عقلاً، ويترفع عنها العقلاء ويرتكبها السفهاء، ويعظم الخطر ويجل الخطب إذا نشرت وأذيعت بين الناس فيكون فاعلوها دعاة إلى الشر وعليهم وزر من قلدهم أو نافسهم، وإن مرتكبي هذه الأفعال الشنيعة مجاهرون بالمعصية غير آبهين لأحكام الشرع ولقواعد العقل وأنظمة البلد ومنها المحافظة على المال، ولذا يجب تعزيرهم من الإمام بما يردعهم عن غيهم، لان هذه الأفعال السيئة تؤذن بخراب الديار وحصول النقمات وانتقام الجبار جل جلاله حين يساء إلى الخير ولا تحترم النعم، كما يدخل في هذه الأفعال السيئة التباهي المحرم ومنه المتشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور، وبعضهم ينطبق عليه قوله تعالى «ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب»، ومن صور العذاب زوال النعم وحلول النقم. واختتم حديثه المزروع بقوله: ولو كان هذا المسرف المسيء المفسد سيعاقب وحده لكان هناك نظر لكن هذه الأفعال الدنيئة الشنيعة سبب للعقوبات العامة على الأمة، «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا». اضطراب نفسي وقال الدكتور عبدالعزيز المطوع عن هذه الظاهرة: اقل ما يقال عن هذا الشخص الذي يرتكب مثل هذه التصرفات إنه يعاني من اضطراب نفسي ونقص في شخصية هذا الانسان، لأن الكرم متأصل بالعرب منذ القدم وليس وليد اللحظة وانما الكريم من يصرف من جيبه الخاص، ولكن ليس بهذه التصرفات ومن شذ عن القاعدة فهو غير طبيعي، لانه من الجانب النفسي يعتبر سفيها وليس طبيعيا ويعاني من عقدة في نقص الشخصية ويجب ان لا يسلم له ويحجر عليه في ماله الخاص بقوله سبحانه وتعالى «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا». وتساءل المطوع عن الداعي الذي يدفع هذا الشخص لارتكاب هذه السلوكيات، مشيرا الى أن ما ساعد هؤلاء الأشخاص في ذلك سرعة انتشارها في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن ولله الحمد انها انقلبت عليهم لان المجتمع لم يلتفت لهم، ولان الناس في المجتمع السعودي لن يتأثروا بهذه التصرفات، وقد تكون هذه التصرفات باب شر علينا لانها كفر بالنعمة وعلينا مشاهدة العديد من الدول التي تعاني من الفقر والجوع لانهم يهددون امن المجتمع بشكل كبير. وأضاف المطوع أنه يجب تدخل دور العلماء ورجال الدين ورجال القانون ويكون العلاج شرعيا وقانونيا ومحاكتهم شرعياً وقانونيا قبل ان يكون في الجانب النفسي. لا يوجد نص قانوني وقال المحامي علي فراج العقلا مستشار قانوني عضو اتحاد المحامين العرب لا يوجد مادة قانونية محددة تنص على عقوبات مثل هؤلاء. تكاتف الجهود وقال المواطن علي الغامدي ان ظاهرة الاسراف والتبذير من الظواهر السيئة ولا بد من تكاتف الجهود لمواجهتها، كما أن مقاطع الفيديو التي انتشرت اخيراً في مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الشهرة وامور أخرى لا يرضاها الاسلام، فالدول المجاورة تموت من الجوع ولا يجدون ما يأكله ابناؤهم وصغارهم، ونحن نبذر بالنعمة ولا نبالي لغضب الله سبحانه وتعالى، ووجه الغامدي رسالته للجهات الحكومية للتدخل وردع مثل هذه الامور التي يمكن ان تنتشر إذا سكتنا عنها فنحن امة النهي عن المنكر ولا نقول الا الحمد لله على النعم العديدة التي انعم الله علينا بها في بلاد الحرمين الشريفين. وأضاف المواطن محمد شاهر القحطاني ان الله تعالي قال «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا» وهذا ما يخيف ويجعلنا نطالب بأقصى العقوبة عليهم ورفض أعمالهم المنافية لديننا وعاداتنا بل ترفضه العقول السليمة وهم أناس يجدون في أنفسهم نقصا ويريدون أن يشهروا أنفسهم ولو بأعمال بذيئة تغضب الخلق والخالق، ومن الضروري مكافحة مثل هذه الظواهر السلبية حتى لا تصبح عادة مقبولة او تكون جزءا من ثقافة هذه البلاد وسن قوانين تجرم هذه الافعال حتى لا تعطي هذه الممارسات غير المسؤولة تصورا خاطئا عن ثقافة هذا الشعب، ولكن أقول ان الاتكال على جهة ما أو إسناد ذلك لجهة ما دون ضوابط أو قانون فعال وواضح ثم يطبق بحزم، هذا قد يؤدي لنتيجة عكسية أيضاً، فالاسراف والتبذير ليس لهما ضابط، ويختلف تقييمهما من شخص لآخر، صحيح هناك أمور الجميع يتفق على كونها اسرافا ولكن وضع نظام واضح ومطبق في العقوبات بحزم يقطع هذه الظاهرة بإذن الله. وقال المواطن بدر أحمد الغامدي عن هذه الظاهرة انه يجب ان يؤخذ بأيدي هؤلاء الأشخاص الذين وصل بهم الأمر الى مثل هذه التصرفات المشينة، فأين الاسلام وآدابه وتعليماته لهم في المحافظة على جميع مقومات الحياة؟، ويجب ان تقف الجهات الرسمية لهم بالمرصاد، وماذا كسبنا من هذا الهياط الذي ليس موجودا عندنا من سنين مضت، وقد لا نسلم من عواقبه، لأننا نعيش في نعمة عظيمة. اتخاذ الاجراء المناسب وأكّد المتحدث الرسمي للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ تركي الشليل أن الرئاسة اتّخذت الإجراء المناسب في حالات المجاهرة، والمفاخرة، والمباهاة بالبذخ والتبذير في النعم، والدعوة إلى هذه الأمور وفق ما تقتضيه الأنظمة والتعليمات، جاء ذلك تعليقًا على ما تداولته وسائل الإعلام من مظاهر البذخ والتبذير في النعم، وأضاف إن هيئة الأمر بالمعروف تقوم بالنهي عن هذه الأفعال التي حرمها الشرع، وأنكر على فاعلها، وذلك من خلال البرامج التوعوية والإرشادية. خطبة الجمعة وقد وجهت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، خطباء الجوامع في مختلف مناطق المملكة بتخصيص خطبة الجمعة المقبلة عن موضوع الإسراف والتبذير، وبينت الوزارة أن ذلك التوجيه يعد إيمانا بالدور المهم والمؤثر الذي يقوم به أئمة وخطباء الجوامع في توعية الناس بأمورهم الدينية والدنيوية ومعالجة قضايا المجتمع، وما يستجد عليهم في حياتهم اليومية، وذكرت الوزارة أن منبر الجمعة يعد من أعظم الوسائل التي يتم من خلالها مخاطبة المجتمع المسلم على اختلاف أعمار أفراده، وثقافاتهم، ومستوياتهم العلمية والفكرية. هاشتاق #كفايةهياطواسراف وقد دشّن ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» وسماً للتحذير من الإسراف، وخطره على المجتمع. وشهد هاشتاق (#كفايةهياط وإسراف) تفاعلاً لافتاً من مغردين يمثلون كافة شرائح المجتمع، حتى أن بعض حسابات الوزارات الرسمية شاركت بالتغريد من خلاله. وغرد الاعلامي فياض الشمري بان «الكريم هو كريم الدين والاخلاق ومن يكرم والديه بالبر واهله وضيفه بما يستحق وجاره وفق ما اوصى به النبي صلى الله عليه وسلم والفزعة مع المحتاج، أما غير ذلك فهو هياط»، وقال الشاعر عبدالعزيز الفراج معلقاً على تلك المقاطع «والله ان نعمة الله لا يغير علينا فاتقوا الله يا عباد الله في نعمة الله». وقال سلطان العثيم في الهاشتاق «هذه المقاطع التي تنتشر بين الناس وفيها من العجب من ألوان التفاخر المذموم والاستعراض الخطير يحتاج لردع اجتماعي ونظامي» واضاف عبدالله الشهري «عندما تنظر للفقراء والمساكين ستعلم بأنها نعمة قد لا تجدها مستقبلاً.. فأحسن استخدامها». الإسلام يطالب بالاعتدال وعدم الإسراف في الأطعمة