يقوم التعليم في مفهومه المعاصر بدور ريادي ويساهم بفاعلية في رفع مستوى الإنسان والمجتمع معرفيا واقتصاديا، والتربية الفنية جزء من منظومة الحركة التنموية المطلوب أن تكون شاملة؛ لذا فهي تدفع رقي المجتمع وتسهم في مواجهة التحديات والتهديدات من خلال وعي القيادات التعليمية سواء في التعليم العام أو الجامعي وإدراكهم للمستجدات ومراعاتهم للمتغيرات، ليقودوا التغيير كأفضل رد فعل بدلا من مقاومته أو مسايرته فتكون النتيجة سلبية على نمو المجتمع. ولعل من المستجدات العالمية التي ظهرت بعد تعاظم العولمة نشوء مفاهيم وأنظمة وتطبيقات مثل التنمية المستدامة والاقتصاد المعرفي والميزة التنافسية وحاضنات الأعمال وتذبذب أسعار البترول، مما يتوجب على التربية الفنية كمادة دراسية في التعليم العام وتخصص جامعي أن يكون لها دور مهم في التنمية المجتمعية والاقتصاد والتنافس محليا وإقليميا وعالميا، رأينا ذلك منذ ظهور الثورة الصناعية في بريطانيا بين عامي (1760-1850م). حيث بدأ صراع المصنعون على المستهلكين وغزو الأسواق، وهنا بدأ الفن والتصميم وعلم الجمال الصناعي يقوم بدور تطبيقي. وعليه، أخذ أصحاب المصانع والشركات بتدريب عمالهم وتعليمهم الرسم والزخرفة وتصميم الإعلان وغيره من نشاطات تقوّي فرص الاستحواذ على أكبر الحصص السوقية، ويثبت تقرير جوريل محاضر اجتماعات أصحاب المصانع والشركات الكبرى في بريطانيا يوليو 1913 عندما استعانوا بنخبة من الفنانين التشكيليين الذين أوصوا اللجنة والحكومة الإنجليزية بتدريس الفن منذ الصغر في التعليم الأساسي لما فيها من فوائد تعود على كل من الدولة والقطاع الصناعي والشعب سواء منتج أو مستهلك، تدعى هذه المرحلة في تاريخ التربية الفنية بمرحلة خدمة الصناعة وكان رائدها هو وولتر سميث، كما أكد على ذلك الناقد والفيلسوف الإنجليزي هربرت ريد 1952 وتحدث عن دور التربية الفنية وتناول فلسفتها العامة وتطبيقاتها الخاصة مثل الخامة والشكل والوظيفة وأساليب المعالجة الفنية في التعليم الفني وصلتها بمناهج الدراسة في كليات الفنون والتعليم العام والتذوق الفني للإنتاج الصناعي. في ضوء ذلك أود أن أؤكد على ضرورة الاقتراب والالتصاق بين تخصصات الفنون الجميلة والتطبيقية الآن في ضوء التحديات والمستجدات وأهمها ظهور برنامج التحول الوطني الطموح مؤخرا. وهذا ما تم فعلا في ألمانيا بداية القرن العشرين في مدرسة الباوهاوس الألمانية التي عمل بها نخبة فناني أوروبا الحداثيون مثل كاندنسكي وفازريللي وغيرهم، حيث ربطوا الفن والتصميم والجمال والابتكار بالعلم والهندسة والتكنولوجيا في مجال فن العمارة والديكور وصناعة الأثاث والصناعات عموما، وبعدها مدرسة أولم الحالية وجامعة دلفت الهولندية وعشرات الكليات الفنية والتطبيقية في أهم الجامعات الأوروبية والأمريكية وحاليا هناك عدة كليات للفنون التطبيقية في بعض الدول العربية. أوصي في النهاية كليات الفنون والهندسة في الجامعات السعودية والكليات الصناعية أن تعيد النظر في برامجها وخططها الدراسية لترفع كفاءة خريجيها الفنية والمهارية والإبداعية من خلال تضمين مقرراتها محتويات من شأنها المساهمة في دفع اقتصاد الدولة معرفيا ورفع ميزته التنافسية، من خلال تطبيق مفاهيم الفن والتصميم وعلم الجمال وتقديم المنتجات الوطنية بطريقة مبتكرة وجذابة، والسعي حثيثا لتحقيق هذا الهدف وتتبعه بالتطوير والتحسين المستمر.