طرحت وزارة العمل مسودة قرار على بوابة «معاً نحسن» الإلكترونية يتضمن زيادة وزن الموظفين السعوديين الذين لديهم سنوات عمل متواصلة لدى المنشأة في برنامج «نطاقات»؛ ما يزيد من جاذبية استمرار توظيف هؤلاء الموظفين في منشآت القطاع الخاص، وذكرت الوزارة أن هذا القرار له 3 أهداف رئيسية تتمحور حول زيادة وزن الموظفين الذين لديهم سنوات عمل متواصلة لدى المنشأة في برنامج نطاقات مما يزيد من جاذبية استمرار توظيف هؤلاء الموظفين في المنشأة، ويشجع الموظفين من المواطنين على الاستقرار الوظيفي لمدد أطول لدى أصحاب العمل، ويساهم في رفع الأجر المدفوع عند تعيين الباحثين عن عمل من المواطنين. لخصت الوزارة القرار في 6 مواد، فالعامل السعودي سيتم احتساب وزنه في برنامج نطاقات بعامل واحد عن أي سنة من سنوات الخدمة الثلاث الأولى لدى المنشأة المسجلة لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وسيضاف للعامل نسبة (20% من العدد واحد) عن كل سنة من السنوات بعد السنة الثالثة التي عمل فيها لدى المنشأة حسب سجلات التأمينات الاجتماعية، ويصبح هذا الوزن ملازما للعامل السعودي وينتقل معه عند احتساب وزنه لدى أي منشأة أخرى بحيث لا يتعدى إجمالي احتسابه عن أربعة أشخاص بأي حال من الأحوال، واقترحت الوزارة بأن يبدأ حساب أوزان العاملين بأثر رجعي اعتباراً من بداية عام 1432ه، وللعامل الحق في الحصول على شهادة من الوزارة تبين وزن احتسابه في برنامج نطاقات. في هذا المقال سأتطرق لوجهة نظري عن القرار، وهل سيكون له إضافة لسوق العمل لو تم تطبيقه، وما هي البدائل التي نحتاجها لتطوير سوق العمل وتوظيف الأيدي العاملة السعودية بشكل مرن. البطالة قضية ليس من السهل معالجتها خصوصاً في التوسع الجغرافي الكبير للمملكة، ووزارة العمل عملت في السنوات الخمس السابقة على إحداث نقلة نوعية في سوق العمل للقضاء على قضية البطالة وذلك بتطبيق برامج عديدة، فبعض البرامج كانت إيجابية ويحتاجها سوق العمل لتطويره، وبعض البرامج كانت قاسية بالرغم من إيجابيتها في المدى المتوسط على سوق العمل، وعدد من البرامج كان لها تأثير سلبي على أحد أطراف سوق العمل. لنكن منطقيين، فالقطاع الحكومي لا يمكنه استيعاب جميع الأيدي العاملة المحلية، ومن الخطأ الاعتماد عليه أو النظر له كمصدر رئيسي للتوظيف لأن ذلك سيترتب عليه سلبيات عديدة على الاقتصاد المحلي، وأيضاً القطاع الخاص لا يمكنه استيعاب جميع الأيدي العاملة المحلية بهذه الهيكلة الضعيفة لسوق العمل والتي تحتاج إلى تطوير يساهم فيه عدة أطراف، والمقصد هنا أن لا يتم تحميل أصحاب الأعمال المسؤولية بانفراد لتطوير سوق العمل دون تحفيزهم فعلياً. المشكلة التي نواجهها هي غياب إستراتيجية واضحة للخارجين والداخلين المحتملين لسوق العمل، ونعتمد بشكل شبه كلي على إيجاد حلول للعاطلين عن العمل في الوقت الحالي، ومن وجهة نظري الشخصية أن علاج قضية البطالة يجب أن يتفرع ل 3 مسارات رئيسية: مسار للعاطلين عن العمل في الوقت الحالي، ومسار للخارجين والداخلين المحتملين لسوق العمل خلال فترة محددة، ومسار لتوسيع القاعدة الوظيفية في القطاع الخاص. وفي كل مسار هناك عناصر مهمة والبعض منها يعتبر عاملا مشتركا ومؤثرا في جميع المسارات كعنصر التطوير والتدريب، وأنا شخصياً أنظر إلى مسار الخارجين والداخلين المحتملين لسوق العمل خلال فترة محددة كأهم مسار يجب التركيز على معالجته حتى لا تزداد قضية البطالة تعقيداً ويتم الحد من انتشارها كخطوة أولية، حيث إن عدد الداخلين المحتملين لسوق العمل سنوياً يتراوح بين 250/300 ألف حسب إحصائيات سابقة، وهناك صعوبات اقتصادية في الوقت الراهن في تطبيق خفض سن التقاعد والذي يعتبر حلا مهما جداً. في القطاع الخاص هناك عوائق اذا تم القضاء عليها «جزئياً» سيترتب على ذلك نتائج إيجابية كبيرة في سوق العمل، ومن أهم هذه العوائق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياج سوق العمل للسنوات القادمة، وأيضاً بناء بيئة عمل جذابة تساهم في مرونة التوظيف واستقرار العاملين في القطاع الخاص، فالعائق الأول بدأت وزارة العمل حديثاً بالتنسيق مع وزارة التعليم في وضع إستراتيجية واضحة لمعالجته، أما بالنسبة للعائق الثاني فنجد أن وزارة العمل أعلنت عن برنامجين لمعالجة هذا العائق، وأنا أرى أن أحدهم سيكون له تأثير كبير في معالجة هذا العائق وهو تطبيق النسخة الثالثة من برنامج نطاقات، أما بالنسبة للبرنامج الثاني والذي يتعلق بقرار (احتساب وزن العامل السعودي حسب الاستدامة) فأنا أرى أنه من الصعب جداً تطبيقه لأنه سيترتب عليه سلبيات أكثر مما نتخيل ولن نصل إلى تحقيق الأهداف الرئيسية في معالجة البطالة، وسيضعف هذا القرار من توظيف الداخلين الجدد لسوق العمل وقد يتسبب في تجاهلهم كلياً، ووجهة نظري الشخصية أن هذا العائق يتحمل مسؤوليته أصحاب القطاع الخاص وليس وزارة العمل، ولذلك لم أتفق مع الوزارة في تطبيقه بهذا التصور الذي أعلنت عنه، وأقترح أن يتم ربطه باحتساب وزن العامل السعودي حديث التخرج اذا كانت الوزارة مصرة على تطبيقه. في كثير من الدراسات المختصة في تحليل الموارد البشرية نجد أن هناك عوامل عديدة لها تأثير في عملية الاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص، وهناك عاملان يشكلان نسبة لا تقل عن 80% من التأثير على استقرار الموظفين (الأجر، وبيئة العمل)، فبالنسبة للأجر يعتبر من الصعب التحكم فيه بسياسات ملزمة لأنه يعتمد على عامل العرض والطلب، ومن الصعب أيضاً تطبيق حد أدنى للأجور في الوقت الراهن لأن ذلك سيترتب عليه سلبيات عديدة، وأنا على يقين بأن وزارة العمل حريصة على عدم تطبيقه في الوقت الحالي، ولكن من السهل تطبيق برامج (تحفيزية وغير ملزمة) لتشجيع رفع الأجور في القطاع الخاص. أما بالنسبة لبيئة العمل فيتحمل مسؤوليته القطاع الخاص بالكامل، فدور وزارة العمل الرئيسي في ذلك كان في التعديلات الأخيرة على نظام العمل، والتي لاحظنا أنها تركزت على تعديلات لتحسين وتشجيع العمل في القطاع الخاص. إذا كان توجه الوزارة منصبا في الاستدامة، فينبغي أن يكون هناك تطبيق لبرنامجين أساسيين وبمحفزات، الأول بربط احتساب وزن العامل السعودي في برنامج نطاقات بالأجر قبل أي توجه آخر بما أنه من أهم عوائق التوظيف في القطاع الخاص، والبرنامج الثاني بتصنيف المنشآت وفقاً لممارسات الموارد البشرية الداخلية فيها لأنها الأساس في تطوير بيئة العمل، وقد تطرقت لذلك بالتفصيل في أحد المقالات السابقة. وتلخيصاً لذلك سنجد أن ربط احتساب وزن العامل السعودي في برنامج نطاقات بالأجر سيترتب عليه تشجيع لرفع الأجور للأيدي العاملة السعودية في القطاع الخاص، وسيكون له مساهمة واضحة في تشجيع توظيف السعوديين في وظائف إشرافية مما ينعكس ذلك على توظيف أعداد أكبر من السعوديين تحت تلك الفئة. أما بالنسبة لتصنيف المنشآت وفقاً لممارسات الموارد البشرية فيها بما أنها الأساس في تطوير بيئة العمل، فهذا التوجه يعتبر الأساس الذي ستستند عليه وزارة العمل في نجاح العديد من توجهاتها المستقبلية، وسيعتبر ذراعا قويا لتطوير سوق العمل في المملكة، وسبب إصراري على تطبيق هذا التصنيف هو عزوف العديد من الأيدي العاملة المحلية عن العمل في القطاع الخاص وتفضيل العمل في القطاع الحكومي بحجة وجود أمان وظيفي عال واستقرار أكثر مقارنة بالقطاع الخاص، وهذه النظرة تسببت في تكدس أعداد كبيرة من العاطلين ولسنوات طويلة في انتظار وظيفة حكومية، وبنفس الوقت افتقارنا لوجود بيئة عمل جذابة في منشآت القطاع الخاص ومطالبة الموظفين بجهد وإنتاجية عالية في ظل الافتقار لبيئة عمل مناسبة يعتبر سبباً رئيسياً لارتفاع معدلات الدوران الوظيفي والتخبطات الحاصلة في الوقت الراهن؛ مما أدى ذلك لانتشار «عرف» ضعف الأمان الوظيفي في القطاع الخاص، ولذلك من المهم وجود اهتمام أكبر في تطوير ثقافة الموارد البشرية للقطاع الخاص في سوق العمل حتى تتغير هذه النظرة السلبية له ويتم نقله إلى مرحلة جاذبة لاستقطاب الأيدي العاملة المحلية. ختاماً، قضية البطالة يجب التعامل معها بتجزئتها إلى مسارات كما ذكرته في هذا المقال، وبناء سوق عمل مدعوم بتطبيق فعلي لممارسات الموارد البشرية سيكون له انعكاس كبير في معالجة العديد من القضايا الاقتصادية التي واجهناها أو قد نواجهها في المستقبل ، فوجود أساس كتصنيف المنشآت وفقاً لممارسات الموارد البشرية فيها، سيختصر على وزارة العمل العديد من السنوات التي تحتاجها لتطوير سوق العمل في المملكة وتقليل معدلات البطالة، وبالرغم من تركيبة سوق العمل المبسطة والتي تشترك فيها (الوزارة وأصحاب العمل والعاملون)، إلا أنه لا يمكن الوصول إلى نتائج إيجابية دون تكاتف الجميع في ذلك.