في لقاء مفتوح مع مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في جدة قبل عدة أيام، صرح وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني بأن وزارته ستطلق النسخة الثالثة من برنامج نطاقات في الفترة المقبلة، وانه سيتم تصنيف المنشآت وفقاً لأجور العمالة المحلية من إجمالي رواتب المنشأة، بالإضافة إلى المعيار الحالي المختص في نسبة العمالة المحلية من إجمالي عدد موظفي المنشأة. رحلة "السعودة" بدأت في عام 1975م، وما زالت حتى الآن الصراعات مستمرة في تطبيقها بالمفهوم الصحيح الذي وضعت من أجله، وتعتبر "السعودة" من أهم أهداف التنمية البشرية وإحدى ركائزها الأساسية في بلادنا والتي أصبحت حديث المجالس وأصحاب العمل عند مناقشة وضعنا الحالي من تزايد معدلات البطالة، والبداية الحقيقية لمحاولات التطبيق الفعلي لمفهوم "السعودة" بدأت منذ انطلاق برنامج نطاقات في سوق العمل قبل عدة سنوات، وكان التوجه واضحاً بأنه يعتمد على الدفع بأكبر عدد ممكن من العمالة المحلية لتوظيفهم في منشآت القطاع الخاص بغض النظر عن أي معيار آخر، أي بمعنى أوضح أن البرنامج كان يعتمد على التوظيف الكمي وليس النوعي، وذلك أدى إلى خلل كبير في سوق العمل نتج عنه ارتفاع السعودة الوهمية بشكل كبير خصوصاً في التوظيف الوهمي للعنصر النسائي، ومن ذلك تبين أن آلية البرنامج لم تدعم التعريف الصحيح "للسعودة"، وبعد ذلك تلاه تعديلات على نسب "السعودة" وتوسيع أكبر للنطاقات. والآن، بدأ التوجه يختلف في النسخة الثالثة من برنامج نطاقات، وذلك بالاهتمام في التوظيف النوعي وهذا ما يحتاجه سوق العمل لدينا؛ حتى يكون هناك تأثير على معدل التراكم المعرفي في سوق العمل لدينا، وهذا هو التوجه الذي نحتاجه فعلياً لتحقيق مفهوم "السعودة" بالشكل الصحيح والكامل. برنامج نطاقات تم تصميمه لدعم توظيف الأيدي العاملة المحلية في منشآت القطاع الخاص، أي بمعنى آخر هو المحرك الأساسي لتطبيق "السعودة"، فلذلك من المهم أن يتم تطبيقه بالطريقة الصحيحة حتى نصل لمعنى السعودة الحقيقي وهو تطوير الأيدي العاملة المحلية؛ لتحل بدلاً من الأيدي العاملة الأجنبية وليس مجرد عملية توظيف فقط لا غير. والوزارة بدأت بالتركيز على ذلك، والدليل توجهها لبرامج تطوير لمهارات الأيدي العاملة المحلية، مثل: برنامج (دروب)، وتعديل نسبة التدريب الإلزامية للعمالة المحلية في منشآت القطاع الخاص التي يبلغ عدد موظفيها 50 موظفا فأكثر برفعها إلى 12% سنوياً في التعديلات الأخيرة على نظام العمل السعودي. ما زلت على رأيي السابق بأن ربط احتساب وزن العامل السعودي في نطاقات يجب أن يرتبط بالأجر أولاً قبل أي توجه آخر، لأن الأجر في الوقت الحالي يعتبر من أهم عوائق التوظيف في القطاع الخاص، وذكرت سابقاً وفي أكثر من مقال وتقرير، أن برنامج نطاقات يجب أن يعاد النظر في آليته، والأساس فيه حتى يثبت جدواه من الناحية النوعية هو ربط أجور العمالة المحلية الذين يتقاضون أجوراً مرتفعة في المنشآة بالنسبة المعتمدة في حساب وزن العامل السعودي، وهذا الأساس سيكون له تأثير كبير جداً في سوق العمل، فمن خلاله ستتجه المنشآت الى تدريب موظفيها حتى يصلوا إلى مناصب أعلى ليحصلوا على أجور مرتفعة، وسينعكس ذلك على التراكم المعرفي في سوق العمل. لو رجعنا للعديد من الدراسات عن حال التوظيف في منشآت القطاع الخاص، سنجد أن هناك عاملين مهمين لهما تأثير كبير في دعم ونجاح عملية التوظيف للأيدي العاملة المحلية، فالعامل الأول: هو بيئة العمل وارتباطه المباشر بالأمان الوظيفي، أما العامل الثاني فهو: يتعلق بضعف الأجور مقارنة بساعات العمل، ومن هنا نجد أن العمل على إيجاد حلول لتلك العوامل مهم جداً حتى تكون عملية التوظيف أكثر مرونة وجاذبة في القطاع الخاص. وبالاختصار من وجهة نظري الشخصية بالنسبة للعامل الأول المتعلق بتحسين بيئة العمل وارتباطه المباشر بالأمان الوظيفي في القطاع الخاص فهو ينشق إلى قسمين: القسم الأول: كان بيد وزارة العمل وبدأت فيه فعلياً وذلك بتعديلاتها الأخيرة على نظام العمل السعودي، أما القسم الثاني: فهو بيد أصحاب العمل وذلك بتطبيق ممارسات أساسية في الموارد البشرية داخلياً، وذكرت في مقالي السابق أننا في حاجة لتصنيف المنشآت في القطاع الخاص وفقاً لممارسات الموارد البشرية فيها. أما بالنسبة للعامل الثاني المتعلق بضعف الأجور مقارنة بساعات العمل فهو متشعب نوعاً ما؛ لأن الأجور في القطاع الخاص تحكمها سياسة "العرض والطلب"، ومن الصعب جداً تحديد حد أدنى للأجور في الوقت الراهن؛ لأن سلبياته ستكون أكثر من إيجابياته، والوزارة هنا دورها كان إيجابياً حتى لو كان متأخراً، فالفترة السابقة شهدت دورا فعالا لها من خلال تقليص عدد ساعات العمل في تعديلاتها الأخيرة على نظام العمل السعودي، وتطبيق برنامج مكافأة أجور التوطين. والآن، من خلال تطبيق النسخة الثالثة من برنامج نطاقات وربط التصنيف فيه وفقاً لأجور العمالة المحلية من إجمالي رواتب المنشأة، بالإضافة إلى المعيار الحالي المختص في نسبة العمالة المحلية من إجمالي عدد موظفي المنشأة. لنجاح النسخة الثالثة من برنامج نطاقات، أتمنى أن يكون هناك مستجدات بالنسبة للمقترح الذي تحدثت عنه سابقاً وتحدث عنه العديد من اصحاب الأعمال، والذي كان مضمونه أن تدفع المنشأة التي لا تستطيع توظيف عامل سعودي مقابلا ماليا لصندوق الموارد البشرية؛ لكي يتم احتساب نقطة توطين واحدة لها في برنامج نطاقات كبديل عن توظيف السعودي، وتضمن المقترح ضوابط للمنشأة لكي تستفيد منه، والذي سيكون اختيارياً وبحد أقصى 25% من عدد السعوديين في المنشأة، لكي تحقق نسبة التوطين المطلوبة، وسيكون متاحاً فقط لبعض الأنشطة ولفترة محدودة حتى تجد المنشأة متسعا من الوقت لتأهيل وتوظيف أيد عاملة سعودية فيها قبل إيقاف خدمات وزارة العمل عنها. ختاماً.. من المهم جداً عند تطبيق أي برنامج في سوق العمل هو مراعاة حجم وعمر المنشآت، وأنا جداً مؤيد لتوجه وزارة العمل في آلية تطبيق النسخة الثالثة من برنامج نطاقات، ومن يصف هذا التوجه بأنه سيزيد من السعودة الوهمية التي تم (تجريمها) وذلك بالتلاعب في أجور الأيدي العاملة المحلية فهو مخطئ؛ لأن برنامج حماية الأجور سيكشف العديد من عمليات التلاعب في التوظيف الوهمي وسيقضي على التستر الذي عانينا منه لسنوات عديدة، وأنا متيقن أن وزارة العمل ستعمل على آلية مرنة في تطبيقه لتحقيق الأهداف المرجوة منه.