في الثالث والعشرين من نوفمبر، عندما وافقت عملاقا صناعة العقاقير فايزر واليرجان على الاندماج، في صفقة قيمتها 183.7 مليار دولار، اكتسب عام 2015 ميزة أن يصبح عاما قياسيا لعمليات الاندماج والاستحواذ. هذه الصفقة الكبيرة في مجال الأدوية، التي تعتبر الأكبر في هذا العام حتى الآن، جعلت عام 2015 يتجاوز مبلغ 3.4 تريليون دولار في مجموع صفقات عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية، وهو الرقم الذي تم تسجيله في عام 2007، فقط قبل الأزمة المالية. وهذا يتفوق على الرقم القياسي السابق، الذي تحقق في عام 2000، والذي جاء أيضا مباشرة قبل وقوع الاقتصاد في حالة الركود، والذي أطاح به انهيار شركات الإنترنت. يقول ديفيد روزينبيرج، كبير الخبراء الاقتصاديين في جلاسكين شيف، إن موجة من إبرام الصفقات عبر الشركات تعتبر «تطورا كلاسيكيا في أواخر الدورة. عندما تشرع الشركات في ذروة أنشطة الاندماج والاستحواذ، فإن هذا الغالب يتزامن مع ذروة سوق الأسهم وذروة في دورة الاعمال التجارية. تخبرنا الشركات بأنه لم يعد بإمكانها النمو عضويا». بلغت القيمة الدولارية للصفقات في عام 2015 حتى الحادي والعشرين من ديسمبر 3.8 تريليون دولار. خلال فترة التوسع التي امتدت لست سنوات ونصف، بلغ متوسط النمو السنوي للاقتصاد الأمريكي فقط 2.2 بالمائة. وحيث أن أسعار الفائدة كانت قريبة من الصفر وكانت الميزانيات العمومية للشركات مليئة بالنقدية، فإن الطريقة الأسهل (في الغالب) ليعزز المسؤولون التنفيذيون أسعار الأسهم هي زيادة الأرباح وشراء الأسهم مرة أخرى. نجحت هذه الاستراتيجية إلى حد ما. حتى مع النمو الاقتصادي الضئيل، تضاعفت سوق الأسهم ثلاث مرات تقريبا منذ انخفاضها في مارس من عام 2009. مع ذلك، بلغت أرباح الشركات ذروتها في صيف عام 2014. مع استمرار ضعف الطلب على السلع الاستهلاكية في جميع أنحاء العالم، يبقى نمو المبيعات أمرا بعيد المنال. بدلا من محاولة توليد الإيرادات بأنفسهم، كانت الشركات تقوم بشراء النمو بدلا من ذلك، حيث كانت تستحوذ على الشركات المنافسة لها بوتيرة لم يسبق لها مثيل. يقول روزينبيرج إن الأثر قصير الأمد لطفرة الاندماج يغلب عليه أن يكون سلبيا على الاقتصاد. حيث ان شعارات عمليات الاندماج والاستحواذ - خفض التكاليف وأوجه التآزر- عادة ما تترجم إلى تسريح الموظفين من أعمالهم. يقول: «الفكرة هي أخذ القدرة خارج النظام وخلق عوائد أفضل للمساهمين. لا أعتقد أنني شهدت عملية دمج لا تشتمل على خسائر في الوظائف». ليس من السهل الحكم على الأثر الأطول أجلا الخاص بكل تلك الصفقات. لأن بعضها سوف يتبين أنها كانت في غير محلها. يقول جيم بولسن، كبير استراتيجيي الاستثمار في إدارة ويلز لرأس المال: «في عالم حيث يكون اقتراض المال مجانيا تقريبا، هناك احتمال بأن يتم إبرام هذه الصفقات أكثر مما ينبغي». يعتبر اندفاع هذا العام أيضا أمرا جديرا بالملاحظة بسبب عدد التعاملات التي تقدر قيمة كل منها بأكثر من 10 مليارات دولار، بحسب ما يقول رسل ثومسون، الذي يقود شعبة الاندماج والاستحواذ الأمريكية لشركة (ديلويت أند توش). من خلال حساباته، يبلغ هذا العدد ضعف عدد عمليات الاندماج عالية الثمن والتي تمت خلال فترات الذروة السابقة خلال ال 15 عاما الماضية. يقول ثومسون: «هذا مذهل تماما»، مشيرا إلى أن محصول هذا العام ينتشر بشكل متساو أكثر عبر الأجزاء المختلفة للاقتصاد، «بدلا من كونه متركزا على صناعة واحدة أو اثنتين». فترات الركود السابقة سبقها إبرام صفقات أكثر خطورة من أي وقت مضى في صناعات منفردة. ومثل هذا التركيز أدى إلى حدوث اختلالات مالية لأن الكثير جدا من الأموال تدفقت إلى جزء واحد من الاقتصاد. فكر في فقاعة التكنولوجيا التي انفجرت في عام 2000 أو أزمة عام 2008 التي دمرت الأسر والشركات العقارية والمصارف. هذه المرة، غياب الصفقات المتركزة في مجال صناعة واحدة يقلل من فرصة حدوث ركود. أما متوسط التوسع منذ الحرب العالمية الثانية فقد دام لأقل من خمس سنوات. يرفض جوزيف لافورنيا، كبير الخبراء الاقتصاديين في أمريكا لدى قسم الأوراق المالية لبنك دوتشيه، فكرة أن حالات الانتعاش «تموت بسبب الشيخوخة. بل إنها تموت بسبب الاختلالات، وفي الوقت الراهن أنا لا أرى الكثير من الاختلالات». كل فترة ركود مختلفة عن الأخرى، لكن يغلب عليها جميعا أن يكون لها نفس المكون الرئيسي: التضخم. على الرغم من الانتعاش الطبيعي الطويل وأسعار الفائدة القريبة من الصفر، إلا أن التضخم منخفض جدا. وكذلك النمو. ومعدل التوقعات بين الخبراء الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع بلومبيرج هو أن الاقتصاد الأمريكي سيتوسع بنسبة 2.5 بالمائة في عام 2016. وهذا يجعل لافورنيا يشعر بالتوتر: «أنا أكثر قلقا حول عدم القدرة على خلق نمو اقتصادي لائق من قلقي حول ما تشير إليه طفرة الاندماج والاستحواذ المذكورة». من وجهة نظر الشركات، وحيث ان هناك الكثير من النقد المتدفق إلى النظام، أصبحت عمليات الاستحواذ أقل خطورة نظرا لانخفاض تكلفة رأس المال لدى معظم الشركات، بحسب ما يقول ستيفن موريسيتي، الذي يدَرِّس استراتيجية الاندماج والاستحواذ في كلية بوث للأعمال في جامعة شيكاغو. «حين تدفع بالفعل مبلغا زائدا عن السعر المناسب، فلا بد لهذه الصفقة أن ينتهي بها الأمر بعدم إضافة قيمة». بدلا من تقديم تحذير من النمو الاضعف، يرى بعض خبراء الاقتصاد السجل القياسي للنشاط في عمليات الاندماج والاستحواذ على أنه يشير إلى أمر معاكس. يقول تورستين سلوك، كبير الخبراء الاقتصاديين الدوليين في بنك دوتشيه: «أعتقد أنه إشارة إلى قوة الاقتصاد الأمريكي. أخيرا تبدأ شهية الشركات الأمريكية للخطر بالتلاشي. وحتى إذا تباطأ النشاط خلال العام القادم، أعتقد أننا لا نزال بعيدين عن الركود لسنتين أو ثلاث». يوافقه الرأي ألين سيناي، كبير الخبراء الاقتصاديين العالميين في مؤسسة Decision Economics. «إذا كان ذلك يوحي بشيء، فإنه إشارة إلى النضج. يبدو الأمر وكأن هذا الانتعاش يصل إلى مرحلة البلوغ. من الناحية الزمنية، إنه كبير في السن، لكن من الناحية الوظيفية، لا يزال صغيرا جدا».