اعلن قبل ايام عن البدء بالاجراءات القانونية لاندماج اكبر واقدم الشركات الامريكية المتخصصة بالصناعات الكيماوية. فقد اعلنت كل من شركة داو كميكال وشركة دوبونت عن اندماجهما رغبة منهما بتحسين ادائهما وتخفيض النفقات بالاضافة الى تخفيض الضرائب. وسيولد اندماجهما شركة تقدر قيمتها بحوالي 120 بليون دولار ووصلت قيمة مبيعاتهما للعام الماضي حوالي 90 بليون دولار وبذلك ستكون الشركة المنبثقة اكبر شركة للكيماويات في العالم متخطية عملاق الكيماويات الالماني باسف التي وصلت قيمة مبيعاتها العام الماضي 78 مليار دولار. وسيحصل ملاك اسهم داوكميكال عن سهم في الشركة الجديدة (داودوبونت) عن كل سهم يملكونه في شركة داو كميكال الحالية. وسيحصل ملاك شركة دوبونت بالمقابل على 1.28 سهم في الشركة الجديدة عن كل سهم يملكونه في الشركة الحالية. وبناء على هذا ستندمج الشركتان في شركة واحدة ومن ثم سيتم تقسيم الشركة المنبثقة عن هذا الاندماج الى ثلاث شركات كالتالي: شركة لانتاج المواد الكيميائية المتخصصة كالبلاستيك وغيرها وستقدر مبيعاتها بحوالي 50 مليار دولار وسيرأسها السيد ليفريس الرئيس الحالي لشركة داوكيمكال. واما الشركة الثانية فستكون متخصصة بانتاج المواد الزراعية كالحبوب والمواد الحامية للمحاصيل الزراعية وستقدر مبيعاتها بحوالي 20 مليار دولار. واما الشركة الثالثة فسيكون مجالها في انتاج المواد المتخصصة ذات التقنيات العالية وستقدر مبيعاتها بحوالي 15 مليار دولار وسيرأس الشركتين السيد برين الرئيس الحالي لشركة دوبونت. وبهذا الاندماج ستوفر داودوبونت الجديدة حوالي 3 مليارات دولار من النفقات سواء من الضرائب او من خفض اليد العاملة وسيتم خفض نفقات البحت والتطوير لان النموذج الجديد سوف يلغي تكرار مراكز البحث لهذه الشركات. ويجب على داو ودو بونت الاندماج اولاً قبل التقسيم الى ثلاث شركات للاستفادة من المعاملات المعفاة من الضرائب الاولية. ما الدافع الرئيس لهذا الاندماج الذي سيحول شركتين من اكبر شركات الكيماويات العالمية الى ثلاث شركات؟. بدراسة نتائج الشركتين لاخر سنتين ربما يكون تراجع بعض نتائج دوبونت واهتمام داو كميكال بالصناعات التحويلية احد اهم اسباب الاندماج. اما بالنسبة للنتائج فلقد ربحت داو كميكال في 2012م 2.2 مليار دولار وفي عام 2013م 3 مليارات واما في عام 2014م فلقد ارتفعت ارباح داوكيمكال الى 3.7 مليار دولار. ولقد ارتفعت ارباح اول تسعة اشهر في عام 2015م الى 4 مليارات دولار مقابل 3 مليارات دولار لنفس الفترة من العام الماضي. وهذا يعرض بوضوح مدى قوة داوكيمكال رغم ازمة هبوط اسعار النفط التي تعاني منها الشركات البتروكيماوية بمنطقة الخليج العربي. لاشك ان انخفاض اسعار لقيم البتروكيماويات سواء الغاز الطبيعي او سوائل الغاز الطبيعي في امريكا كان احد اهم اسباب تحسن اداء داو كميكال في اخر 4 سنوات. ويجب الاشارة الى ان داو كيمكال تتوسع حالياً كثيراً بانتاج المواد الاساسية مثل البولي ايثيلين التي ربما تواجه ازمة اسعار بسبب الكميات الهائلة القادمة من التوسعات الامريكية بسبب الغاز الصخري. وهذا ربما جعل داو تفكر اكثر في الصناعات التحويلية لهذه المواد الاولية التي لن يجدي نفعاً بيعها كمواد خام بدون تصنيعها الى مواد متخصصة بمواصفة صناعية مختلفة. ولقد استحوذت داو كميكال على شركة رووم اندهاوس في عام 2008م بمبلغ 15 مليار دولار بسبب تميز شركة رووم اندهاوس بانتاج المواد الكيماوية المتخصصة، التي تريد داو كميكال الدخول اكثر الى هذا القطاع واستخدام المواد الاساسية التي تنتجها في مصانعها بدلا من بيعها كمواد خام. وعلى هذا الاساس قد يكون الاندماج يسير بهذا الاتجاه بالنظر الى خبرات دوبونت الكبيرة بانتاج المود المتخصصة سواء الزراعية او الكهربائية او حتى المستخدمة في تطبيقات اخرى. واما شركة دو بونت فلقد ربحت في عام 2012 م حوالي مليار دولار وفي عام 2013م حوالي 2 مليار دولار وفي العام الماضي حوالي 3.2 مليار دولار. ولكن مع حلول الربع الثالث للعام الماضي بدأت نتائج دوبونت بالانحدار. فلقد خسر قطاع الزراعة في الثلاثة اشهر قبل الاخيرة من العام 2013م و2014م 56 مليون دولار. ولقد تفاقمت هذه الخسائر بالربع الثالث لهذا العام لتصل الى 210 ملايين دولار. والجدير بالذكر ان اكبر مبيعات لدوبونت في التسعة اشهر الاولى من العام الحالي كانت للقطاع الزراعي اذ وصلت الى اكثر من 8 مليارات دولار. ولكن نتائج هذا القطاع تعكس ان هنالك خللاً ما وهذا ما جعل كبار المستثمرين بالشركة يمارسون الضغط على قادة الشركة لتغيير الاوضاع والسياسات حتى لا تذهب اموالهم هباء. ولقد بلغت ارباح دوبونت في اول تسعة اشهر من العام الماضي حوالي 2.9 مليار دولار وهبطت هذه السنة الى حوالي 2.2 مليار دولار لنفس الفترة، وهذا ادى الى قلق المستثمرين بالشركة. تشكل مبيعات المواد الزراعية حوالي 13% من مبيعات داو كميكال مقابل 50% من مبيعات دوبونت وهذا يعني ان قوة دوبونت في انتاج المواد التي تساعد على زيادة الانتاج الزراعي وحماية البذور من الحشرات والفطريات. سيتم الاندماج على ان تقسم الشركة الجديدة بعد سنتين الى ثلاث شركات وذلك بتجميع الاقسام الزراعية في كل من داو كميكال ودوبونت بشركة واحدة مستقلة. وبذلك ستكسب هذه الشركة الجديدة والمتخصصة بانتاج المواد الزراعية كل التقنيات في داو كميكال ودوبونت وبذلك يولد شركة قوية ومتخصصة وبحجم متوسط من رحم شركتين عملاقتين. وعلى سبيل المثال سيصبح حصة الشركة الزراعية الجديدة من الانتاج العالمي للمواد الحامية للبذور حوالي 17% وحوالي 38% من حصة انتاج بذور الصويا في امريكا وحوالي 40% من بذور الذرة بامريكا. ولقد عانت الشركتان من انخفاض الطلب على المواد الزراعية نظراً لتدهور اسعار المحاصيل الزراعية وارتفاع قيمة الدولار. ولابد من الاشارة الى اهتمام الشركات الكيماوية العالمية بالقطاع الزراعي والنظر اليه باعتباره الامل في التوسع في المستقبل. يزداد الاهتمام العالمي بتحسين الانتاج الزراعي لان سكان العالم سيرتفع الى 9 بلايين نسمة بعد 35 سنة وسيزداد الطلب العالمي على الغذاء والحبوب بحوالي 60% هذا بالاضافة الى استخدام الحبوب بانتاج الوقود الحيوي المتجدد. وهذا يعني ان العالم بحاجة كبيرة للغذاء وبحاجة الى تطوير اساليب جديدة كفيلة بانتاج كميات كبيرة من الغذاء بمساحات اقل. بالاضافة الى تطوير تقنيات جديدة لحماية الحبوب الغذائية من الحشرات وغيرها. وفي الختام لاشك ان من اهم الدروس المستفادة من هذا الاندماج اهمية تنويع الصناعات وعدم الاعتماد فقط على المنتجات الاساسية من بلاستيك وميثانول والدخول الفوري الى مجال المنتجات الزراعية. ولكن يبقى تدخل كبار المستثمرين لانقاذ بعض الشركات من الانحدار وذلك للحفاظ على اموالهم احد اهم الدروس المستفادة في هذا الاندماج. ومن هنا وافقت ادارة دوبونت الحالية على الاندماج مع داوكميكال لان ارباح دوبونت وانخفاضها يوحي بان هنالك خللاً ما بالشركة. لا يمكن ترك الشركات الكبيرة تحت قيادة غير مسؤولة او غير خبيرة من دون محاسبة. في المنطقة الخليجية هنالك شركات بتروكيماوية تملك كل مقومات النجاح من قروض ميسرة ولقيم في غاية الرخص ومع ذلك نجد نتائجها خسارة ملايين الدولارات. وهذا يعني خسارة المساهمين لمدخراتهم بسبب قرارات متسرعة وغير خبيرة من ادارات هذه الشركات مثل استحواذ فاشل او شراء تقنيات باسعار باهظة الثمن.