أعلنت الجمعية الكيميائية الأمريكية في مجلة اخبار الهندسة والكيماويات C&EN لعدد يوليو الماضى، قائمة بأسماء أكبر خمسين شركة كيميائية في العالم، وقارنت المجلة أداء هذه الشركات من ناحية قيمة المبيعات والأرباح والصرف على الاستثمارات الرأسمالية والبحث والتطوير للعامين 2012 و2013م. والحقيقة ان أداء هذه الشركات لم يكن سيئاً في عام 2013م بل ارتفع بنسبة 1.7% عن مستويات عام 2012م لتصل قيمة مبيعاتها الى 980 مليار دولار. ووصلت ارباح هذه الشركات الى حوالي 100 مليار دولار وهو تحسن واضح لاداء الشركات. وكما هو متوقع تربعت باسف عملاق الصناعة الكيميائية الالمانية على عرش صناعة الكيماويات بالعالم. وبدون أية مفاجأة تفوقت مبيعاتها على ثاني اكبر شركة كيماوية بالعالم بحوالي 17.8 مليار دولار في عام 2013م. ولذلك فان كثيرا من المحللين يتوقعون أن تبقى باسف أكبر شركة كيماوية في العالم، ولأعوام كثيرة قادمة بدون منافسة قوية من أحد بسبب أدائها المتميز ونجاحها في تطبيق منهج التكامل بين فروعها وامتلاكها التقنية وتطويرها المستمر. ويساعد مبدأ التكامل هذا على الاستفادة من كل ذرة كربون وعلى عدم هدر الطاقة، فعلى سبيل المثال يمكن لبعض الوحدات الصناعية بالشركة انتاج غاز ثاني اكسيد الكربون وهو مركب غير مرغوب به. وبتطبيق مبدأ التكامل بين الوحدات المختلفة، تقوم وحدة اخرى بالاستفادة منه كلقيم في مصنع آخر، وبذلك تستفيد باسف من كل عنصر ومركب يخرج من مصانعها القريبة من بعض، ولا يتم التخلص الا من القليل الذي ليس له قيمة تذكر. ولقد بلغت قيمة مبيعاتها في العام الماضي 78.6 مليار دولار. وجاءت شركة سينوبك الصينية ثانياً بقيمة مبيعات عند 60.8 مليار دولار ثم داو كميكال، بحوالي 57 مليار دولار وحلت سابك في المرتبة الرابعة، وقد قدرت مبيعاتها الكيميائية للعام الماضي بحوالي 43.4 مليار دولار. وجاءت شل خامساً بحوالي 42 مليار دولار واكسون موبيل سادساً بحوالي 39 مليار دولار. والجدير بالذكر ان سابك كانت تحتل في عام 2012م المرتبة الخامسة بعد شل الا انها تفوقت على شركة شل في عام 2013م. والحقيقة ان اداء شركتي سينوبك الصينية وسابك في العام 2013م مقارنة بالعام 2012م كان من الافضل على الاطلاق من بين كل الشركات الخمس الكبيرة. اذ شهد اداء باسف وشل كميكال انخفاضاً ملحوظاً لنفس الفترة يقدر بحوالى 5% و8% على التوالى. اما اداء داو كميكال فلم يشهد تغيرا يذكر. والجدير بالذكر ان سابك هي الشركة العربية الوحيدة التي تبوأت مكانة ضمن قائمة اكبر خمسين شركة كيميائية في العالم للعام 2013م، ليس هذا فحسب بل تقدمت الى المرتبة الرابعة بعد ان كانت خامساً في عام 2012م. وضمت القائمة 19 شركة اوروبية وصلت قيمة مبيعاتها حوالي 385 مليار دولار وعشر شركات كيماوية امريكية، وصلت قيمة مبيعاتها الى حوالي 210 مليارات دولار وسبع شركات يابانية قيمة مبيعاتها تقدر بحوالي 110 مليارات دولار. وحلت سوميتو كميكال الشريك في مجمع بترورابغ في المرتبة 19. وللصين في القائمة شركة واحدة هي سينوبك المملوكة للدولة حلت ثانياً ولكوريا الجنوبية شركتان هما LG و SK، بقيمة مبيعات 30 مليار دولار، ولتايوان شركة واحدة هى فرموزا كميكال في المركز السابع التى اعلنت وبكل جرأة عزمها على الاستفادة من الغاز الصخري في امريكا، وانها ستشيد مصنعا لانتاج الايثيلين وبلاستيك البولي ايثيلين في امريكا. وحتى ساسول وهى الشركة الافريقية الوحيدة في القائمة حلت في المرتبة 37، ولقد اعلنت عزمها تشييد مصنع لانتاج البولي ايثيلين في امريكا؛ لتستفيد من وفرة لقيم الايثان وانخفاض اسعاره في امريكا. واما ريلاينس الهندية فقد حلت في المرتبة 20، على الرغم من ان الهند فقيرة في الثروات النفطية والغاز الطبيعي والتقنيات الخاصة بصناعة البتروكيماويات. والغريب ان شركة توتال الفرنسية احتلت المرتبة 46، اي انها لا تعتبر من الشركات الكبرى في مجال البتروكيماويات. وتعتبر الشركات الكيماوية الاوروبية الاكبر والاهم على الصعيد العالمى، رغم ما تواجهه من تحديات كبيرة بسبب انخفاض تكلفة البتروكيماويات في كل من الولاياتالمتحدة ومنطقة الخليج العربى. ولذلك يشدد المراقبون ان على الشركات الاوروبية التركيز على صناعة المواد الكيماوية المتخصصة والمتطورة والابتعاد عن انتاج المواد الاساسية كالبولي ايثيلين والبولي بروبيلين والميثانول لانها لن تستطيع منافسة الولاياتالمتحدة والدول الخليجية. وخير دليل على ذلك ان قطاع البتروكيماويات في شركة ايني الايطالية اعلن عن خسائر لعام 2013م بينما في المقابل اعلنت شركة DSM الهولندية لانتاج المواد المتخصصة عن ارباح. والجدير بالذكر انه على الرغم من ان الشركات الامريكية لم تشهد نمواً في العام 2013م الا ان ارباحها ارتفعت بسبب انخفاض اسعار اللقيم الصخري. وينصب معظم تركيز الشركات العالمية الآن على التوسع في صناعات تهمها وتقع ضمن استراتيجياتها المستقبلية. وفي نفس الوقت تقوم الشركات بالتخطيط للتخلص من الوحدات التى لم تعد مربحة، ولم تعد من اولويات الشركة، ويتم ذلك من خلال الاستحواذ على شركات او بعض فروعها وبيع بعض الوحدات من بعض الشركات. ويمكن توضيح ذلك بمثال استحواذ شركة PPG على شركة Comex، والذي يهدف الى توسيع اعمال PPG في انتاج الاصباغ والدهان في امريكا اللاتينية. وشراء اينوس حصة باسف في شركة لانتاج البولي ستايرين، وهذا سيساعد باسف على التركيز على انتاج مواد كيماوية متطورة ومتخصصة. وبكل تأكيد فان الشراكة التي تمت مؤخراً بين اينوس وسولفاي (Solvay ) تهدف الى انشاء شركة قوية ومتخصصة في انتاج مادة PVC وهذا ما سيساعد اينوس على توسيع اعمالها في صناعة المواد البلاستيكية. واشترت اينوس حصة باسف وعملت شراكة واتحادا مع سولفاي لانتاج PVC، وهذا ما سيجعل كل شركة تسير بالطريق الذي تريده، ويساعدها على تركيز اعمالها وصناعتها في مجالات هي تعرفها جيداً وتتفوق فيها. ولقد اشترت مؤخرا باسف حصة شركة Alfa المكسيكية من شركة بوليلز الخاصة بمنتج البولي يوريثان، وباعتها حصتها من الشركة التي تختص بقطاع الستايرين. وبذلك تريد باسف ان تتخلص كلياً من كل ما يتعلق بصناعة الستايرن وتركز اعمالها على منتجات اخرى. ويبدو واضحاً ان الستايرن ليس استراتيجياً لباسف ولكنه استراتيجي لشركة اينوس والفا. ان التفوق والتوسع في انتاج مواد جديدة ومتطورة ذات مواصفات وتركيبات جديدة هو الطريق الى النجاح في الصناعات البتروكيماوية. ويجب ان نتذكر ان الامعان في التركيز على انتاج الكيماويات الاساسية وبيعها للخارج من دون الاستفادة من القيمة المضافة من تصنيعها الى مواد متخصصة لن يخدم الشركات على المدى البعيد. ومن اجل الدخول وبقوة الى تصنيع المواد المتخصصة والجديدة لا بد من الاستثمار في البحث والتطوير. ولو اخذنا مثالا لبعض الشركات، ونظرنا الى قيمة الاستثمارات التي تصرفها على البحث والتطوير لادركنا اسباب تقدم هذه الشركات. فلقد انفقت باسف في عام 2013م 2.4 مليار دولار، وانفقت دوبونت حوالي مليارين دولار واما داو كميكال فانفقت 1.75 مليار دولار في عام 2013م فقط وحتى شركة باير فقد انفقت 1.4 مليار دولار على البحث والتطوير. *مدير مركز التكرير والبتروكيماويات – جامعة الملك فهد للبترول والمعادن