تعد التجارة أحد أهم الركائز الأساسية في إنجاز المشروعات الكبرى، وتلبية متطلبات التنمية، ودعم وتعزيز كفاءة الاقتصاديات الوطنية لمواجهة التحديات التي يفرضها الواقع، وخلق بيئة تنافسية تتلاءم مع تطورات الوضع الراهن الذي تشهده التجارة العالمية. وبما أن مهنة التجارة هي مهنة تمتاز بالمنافسة ويحيط بها العديد من المخاطر مهما كان التاجر يقظاً حريصاً، فإن التاجر قد يتعرض في بعض الأحيان إلى أزمات اقتصادية أو ظروف قاهرة لا يد له فيها، يترتب على إثرها اضطراب أوضاعه المالية، وعدم قدرته على الوفاء بديونه، وبالتالي يمكن شهر إفلاسه بالرغم من حسن نيته وعدم ارتكابه لأي جريمة كالسرقة أو النصب أو التزوير، أدت به إلى الوصول للوضع الذي آل إليه. ومن أجل استقرار المعاملات التجارية والحفاظ على الاقتصاد الوطني، ودعم التاجر المدين حسن النية لتمكينه من تجاوز عثراته وإعادة تسوية أوضاعه المالية وتجنيبه شهر إفلاسه وما يترتب على ذلك من انعكاسات وآثار سلبية، وفي الوقت ذاته حماية للدائنين وتمكينهم من استيفاء حقوقهم من التاجر المدين، فقد اتجهت العديد من القوانين والأنظمة نحو تحقيق تلك الغاية وأصدرت قوانين وأنظمة الصلح الواقي من الإفلاس، وسار على ذات النهج المنظم السعودي، حيث أصدر نظام التسوية الواقية من الإفلاس بالمرسوم الملكي رقم (م/16) وتاريخ 4/9/1416ه. ويعرف الصلح الواقي من الإفلاس بأنه: «آلية يتفق بموجبها الأطراف، التاجر المدين الذي اضطربت أوضاعه المالية وحلت به ضائقة مستحكمة حالت بينه وبين سداد ديونه، والدائنين، على أن يمنح غالبية الدائنين مهلة للتاجر لمعالجة اختلال وضعه المالي واستقراره حتى يتمكن من استعادة توازنه والوفاء بحقوق الدائنين». وقد أجاز نظام التسوية الواقية من الإفلاس السعودي في المادة الأولى منه للتاجر -سواء أكان فرداً أو شركة- الذي اضطربت أوضاعه المالية على نحو يخشى منه توقفه عن دفع ديونه، قبل البدء في إجراءات التسوية الواقية من الإفلاس أن يتقدم أولاً بطلب الصلح الودي مع دائنيه للجان التي تشكل لهذا الغرض بالغرف التجارية والصناعية وفقاً لبعض الإجراءات والقواعد التي تضمنتها اللائحة التنفيذية. وتكمن الغاية من تقرير هذا الاجراء الأولي في مراعاة الطبيعة الخاصة التي يتميز بها العمل التجاري في المملكة القائم على التسامح واليسر الذي يتصف به الكثيرون من القائمين عليه امتثالاً لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء دستور هذه البلاد التي دعت إلى التسامح وأمرت بنظرة إلى ميسرة والرفق بالمدين إذا كان معسراً، علاوة على اختصار الوقت والإجراءات التي يتطلبها الصلح الواقي من الإفلاس تحت إشراف قضائي. أما في حالة تعذر إجراء الصلح الودي، أو إذا رأى التاجر المدين أن مصلحته تتطلب القيام باتخاذ إجراءات التسوية الواقية من الإفلاس، فقد منحته المادة الثانية من النظام أن يتقدم إلى ديوان المظالم ويطلب دعوة دائنيه ليعرض عليهم الصلح الواقي من الإفلاس. ويلاحظ هنا أن النظام قد قصر طلب الصلح الواقي من الإفلاس على التاجر وحده دون غيره. والتاجر وفقاً للمادة الأولى من نظام المحكمة التجارية هو: «من اشتغل بالمعاملات التجارية واتخذها مهنة له». ويفهم من هذا أن صفة التاجر تطلق على من يقوم بممارسة الأعمال التجارية شريطة أن تتم على سبيل الاحتراف، وأن تتم باسم التاجر ولحسابه الشخصي، وأن تتوافر لديه الأهلية التجارية اللازمة. كما أن صفة التاجر تضفى أيضا على الشركات التجارية باستثناء شركة المحاصة التي لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية لكونها شركة مستترة ليس لها وجود نظامي بالنسبة للغير ويقتصر وجودها فقط بين الشركاء. ويعزى السبب في اقتصار النظام على اتخاذ هذا الإجراء من قبل التاجر دون غيره إلى أن التاجر هو الشخص الوحيد القادر على تقدير حقيقة مركزه المالي ومدى ملاءمة المطالبة بالبدء في إجراءات الصلح الواقي من الإفلاس من عدمه. وسوف نكمل الحديث في شهر يناير القادم إن شاء الله حول هذا الموضوع الحيوي والمهم. التجارة تمتاز بالمنافسة ويحيط بها العديد من المخاطر