من رجال الأزهر الشريف صدر له مؤخرا كتاب «مشاعل النور الأزهرية لمصابيح الديار السودانية»، كما شارك في كتب (تذكرة اعتماد الفكر لصحة اعتقاد البشر)، العلاقة بين الدين والعقل والعلم، التغيرات الكونية، الفكر الحديث في الدين الإسلامي.. هو الدكتور محمد يحيى الكتاني المدرس بجامعة الأزهر الشريف.. الذي يحدثنا عن تجديد الخطاب الديني وأثره وعلاقة الثقافة بالدين، وأسباب فصل الدين عن السياسة. ماذا يعني تجديد الخطاب الديني؟ الوضع الإلهي الذي وضعه الله سبحانه لا يمكن ان يتبدد او أن يتغير، ولكن المتغير هو الواقع والعصر، ونحن نقول هناك قاعدة معروفة في الإسلام وهي الفتوى الصادرة عن الأحكام، وهي تتغير بتغير الزمن والمكان والاشخاص والاحوال لأنها تتعامل مع الثابت، فلا يمكن تغيير الثابت، وانما يتغير المتغير وهو تابع لأحوال زمانه ومكانه، ونطلق عليه الواسطية. * ماذا عن فصل الدين عن السياسة؟ فصل الدين عن السياسة.. الدين الإسلامي هو الوضع الالهي الذي يسوق الناس إلى الخير، وهذا لن يحدث إلا إذا كان يشتمل على الاجابات ومتطلبات العصر. وحدد الاشكالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولكن توظيف الدين من أجل استجلاب مصالح شخصية متعلقة بمستقبل سياسي وتمسك المدعي بأنه صواب وغيره خطأ، ويؤيد هذا ببعض الاحاديث النبوية وينزلها على شخصه والآخرين، فهذا باطل. * كيف يواجه الازهر الشريف الاحداث التي تشهدها المنطقة العربية؟ يسعى الازهر لنشر الفكر الإسلامي الصحيح والمحفز على البعد عن العنف والدفع للخير، ولكن ما يحدث الآن في المنطقة العربية حرب حضارية المراد بها التغلب على الحضارة المهيمنة لقرون طويلة، وبقاء هيمنة الحضارة الغربية على الحضارات العربية والإسلامية. فالازهر الشريف يقوم بأعباء كثيرة، منها تجديد الخطاب والرد على الشبهات، وهناك جهد كبير مبذول من الأزهر الشريف لتجديد الخطاب الديني. ولا بد من الحصول على الكفاية العلمية والثقافية لمن يقوم بتجديد الخطاب، وتجديد الخطاب هو تنزيل الخطاب على الواقع؛ لأنه لا بد ان يدرس الواقع حتى يتمكن من تنزيل الخطاب عليه، كما يعقد الأزهر الشريف العديد من الدورات التدريبية للدعاة، سواء بالازهر أو وزارة الاوقاف والمؤسسات والجمعيات الاهلية لعقد دورات توعية وتعريف للشباب في الجامعات والمدارس. * ألا ترى أن الأزهر الشريف مقصر في دوره؟ التقصير سمة عامة عند الناس، والملائكة يقولون هذا في كتاب الله «عز وجل» (القرآن الكريم)، ولكن الأزهر يقوم برسالته على خير وجه، بدءا من رسالته التعليمية ورسالته التوعوية ورسالته في تجديد الخطاب الديني.. الذي تأخرنا عنه سنوات طويلة وأصبح أمرا حيويا. * ما علاقة الثقافة بالدين؟ في الإسلام الدين هو الذي صنع الثقافة، واتحدت الثقافة مع الدين مع أول آية نزلت من القرآن الكريم وهي آية (اقرأ).. وهذه الملحوظة ثرية من حيث مجالها الدلالي، وتحتاج لتأملات غير متناهية، فالدين الذي يبدأ بآية اقرأ هو الدين القادر على صنع الثقافة وتكوين أمة وبناء حضارة، ومن دلالات هذه الآية أن الدين ليس بديلا عن الثقافة، والدعوة إلى القراءة موجهة للإنسان في أن ينهض بجهده البشري نحو اكتساب العلوم والمعارف والخبرات، وكل ما يتصل بعلاقته بالكون، فالآية حددت مجال القراءة على مستوى الكون بكل ما فيه من موجودات مخلوقة، قال تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق). مع تأكيد الاهتمام بالنظر إلى الإنسان وما يتصل به من علوم ومعارف، وهذا نوع من التخصيص (خلق الإنسان من علق)، ولا ينبغي أن تنفصل الثقافة عن الدين (اقرأ وربك الأكرم.. الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم). ولعل في هذه الملاحظة ما يوافق أول المفاهيم المرتبطة بفكرة الثقافة، والتي ترتبط فيها الثقافة بالطبيعة الإنسانية، بمعنى أن الحكمة الأولى للثقافة هي أن تتعهد الطبيعة الإنسانية بالتهذيب والتكوين والتخليق لإظهار إنسانية الإنسان، أي أن الحاجة إلى الثقافة تشير إلى وجود ضرب من النقص والافتقار إلى الطبيعة. الثقافة هي ثمرة المعرفة جميعا.. ورأس كل ثقافة هو الدين بمعناه العام، والذي هو فطرة الإنسان، أي دين كان، وبقدر شمول هذا الدين جميع ما يكبح جموح النفس البشرية ويحجزها عن أن تزيغ، تكون قوة العواصم التي تعصم صاحبها من كل عيب قادح في المنهج. * لماذا الدين هو أصل الثقافة؟ لأن العقائد وحدها هي صاحبة السلطان على الإنسان، وهذه العقائد إما ان تكون مغروزة في فطرته، وإما أن تكون مكتسبة، ولكنها جميعا منزلة منزلة العقائد المغروزة فيه، وبذلك تكون أعمدة الثقافة وأركانها هي الإيمان والعمل والانتماء، وإلا انتقض بنيان الثقافة وصارت مجرد معلومات وأقوال مطروحة متفككة لا يجمع بينها جامع. * هل يجب على المثقف أن يكون على علم بأمور الدين؟ هل المعارف الدينية واجبة على المثقف؟ بعدما خرج علينا من يقول إن الدين ليس علما، معارضا بذلك جمهرة من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، معددة كل أطوار الفكر المستنير القائم على القواعد المتينة المستنبطة من النصوص الصحيحة المحكمة، خرج علينا من يقول: إن القرآن نص ثقافي مرتبط بزمانه ومكانه، وانه ليس صالحا لكل زمان ومكان، وإنما هو نص تاريخي، وللعلم نسق متكامل يقوم على عدة نظريات، نظرية التوثيق، نظرية الحجية، نظرية الثبوت، نظرية الحكم، نظرية الاستدلال ونظرية الإفتاء. * ما المشكلة التي أدت لانفصال الدين عن الثقافة؟ إن المشكلة هي ان الإنسان المالك للنموذج المعرفي والمرجعية لم يعد يتعرض للمشكلات الواقعية وجذورها. حدث هذا في عصر محمد علي ومشروعه حين فصل بين نوعي التعليم المدني والديني، ومنذ أن قيل لرجل العلم الشرعي إنك رجل دين لا دنيا، ومن ثم يجب أن تبقى معزولا عن هذه الاشياء التي تجري في الواقع، ولذلك أصبح الآن لا يستطيع أن يعطي الحكم الشرعي والحل الإسلامي للمشكلات المعاصرة، ولهذا لم يستطع أن يجيب عن تساؤلات الشباب التي تحتاج إلى قدرة في تطبيق الملاءمة بين الثوابت والمتغيرات، في حين ان اسلافنا لم يكونوا منعزلين بهذه الصورة عن واقعهم الثقافي، ولا عن النموذج المعرفي للآخر، بل كانوا معروفين بارتباطهم بأصلهم واتصالهم بعصرهم. ولا أجد مثالا على ذلك أفضل من شخصية شيخ جامع الأزهر الشيخ احمد عبدالمنعم الدمنهوري والذي استمر عشر سنوات في المشيخة.. هذا العالم الموسوعي الذي تضلّع من علوم الأزهر وكانت له همة عجيبة في الإلمام بمدارك الفقهاء المختلفة في فهم النصوص الشرعية، فدرس المذاهب الأربعة وبرع فيها حتى سمي بالمذاهبي، ولم يمنعه ارتباطه بأصله الديني الأزهري الصوفي من اتصاله بعصره، فدرس علم الفلك وأشكال التأسيس في الهندسة وعلم المساحة وعلم الحساب والجبر والعلم الارتماطيقي ودرس علم الطب وعلم التكعيب وأعمال الرصد وغيرها من العلوم والثقافات العصرية التي اطلع عليها وألف فيها مؤلفات متعددة تصل إلى مائتي مؤلف. وبعد وفاته سطع نجم الشيخ حسن العطار، وهو صاحب إحدى الموسوعات الفارقة، وقد جمع بين المنهجية الأزهرية الوسطية الرصينة والاطلاع الواسع والاهتمام بأسباب النهضة مع التزكية والتربية الصوفية المتميزة، وما كتاب تلخيص الابريز في تلخيص باريس للطهطاوي الذي ذكر فيه معالم المدينة والثقافة الفرنسية إلا رسائل أرسلها الطهطاوي إلى شيخه حسن العطار ثم جمعها في كتاب. وأذكر الامام الفقيه محمد زكي إبراهيم الأزهري الصوفي عندما اتهم أنه يعيش منغلقا عن العالم، فقال: أحاول أن أثقف نفسي ولذا أقرا تاريخ المسلمين وتاريخ الإسلام والفلسفة وأتابع الصوفية والسلفية وأتابع أدباء العرب والادب العربي وقصاصيه وناقديه ومهرجيه ومفسديه، وأدرس ملامح الفن، وأطلع على أعمال بيكاسو في التصوير واندريه في الادب، وأقرا لشكسبير. مضيفا: إن الوعي بالنموذج المعرفي للذات والنموذج المعرفي للآخر يعلمني السباحة في تيار جارف من العولمة والافكار المضطربة والثقافات الغريبة التي تحيط بنا في صور تقنيات حديثة ومفاهيم غربية، ولكن من ناحية أخرى، فهذا النموذج المعرفي الإسلامي يتطلب أن نفعله ونطبقه أولا في أمة الاجابة قبل أن نطرحه على أمة الدعوة، ولعل هذا هو المطروح اليوم (تجديد الخطاب الديني). * ما رأيك في الفتوى التي تصدر وتخالف المتعارف عليه من أساتذة الشريعة؟ تعتبر تعديا ودليلا على أنهم لا يفهمون القرآن والسنة النبوية بصورة صحيحة، وهناك فرق بين العلم والمعلومات، وفرق بين صاحب العلم وصاحب المعلومات الذي لديه تراكم من الثقافة المعرفية ومنها الدين، اما العالم فهو صاحب التراث التراكمي، النفق المتكامل. وعالم الدين هو الادراك الجادل المطابق للواقع الناشئ عن دليله.. معلومات العالم دقيقة للغاية ومبنية على قواعد، وأقول لهولاء أصحاب الفتوى العشوائية: من يخالف المرجعية الدينية ويتحدث خارج الضوابط والقواعد القوية المتينة عليه العودة لصوابه، واستقراء المنهج المعرفي الإسلامي بصورة صحيحة. * ما رأيك في فتوى أن الحجاب ليس فرضا؟ هذا كلام باطل؛ فالحجاب فرض لأنه نص عليه القرآن الكريم نصا واضحا في كتاب الله والسنة النبوية. * ما رأيك في توحيد الخطبة في الجوامع؟ في ظل الظروف التي نحن فيها، وضعف كثير من الدعاة والخطباء، يعتبر توحيد الخطبة أمرا مناسبا نتيجة الظروف المتعلقة بالحالة العلمية لكثير من العاملين بالدعوة.. فهم لم يستطيعوا ضبط الموضوع من الناحية العلمية.. لذا رأى الأزهر الشريف أهمية في تحديد الموضوع وكتابته جيدا حتى يستفيد المترددون على الجوامع. السيرة الذاتية هو محمد بن يحيى بن عبدالنعيم بن حسن آل طايع، من ذرية الخطيب الحسينى المعروفة ذريته بخطبة أبي اليسر التابعة لمركز ابنوب الحمام، محافظة أسيوط بمصر، وهو كتاني الطريقة. من مواليد الإسكندرية، ونشأ فى أسرة دينية محبة للعلم والمساجد، فجده اشتهر عنه حبه للمساجد، ووالد جده لأمه اشتهر عنه حبه لبناء المساجد، فلا يجد مكانا ليس به مسجد إلا سعى لإقامة مسجد فيه، حتى ان مصلحة الضرائب أرسلت إليه يوما لمحاسبته، ظنا منها انه يعمل مقاول بناء تَخَصّص فى بناء المساجد، وقد اغلق الملف بعد اجراء التحريات اللازمة، حيث تبين أنه يعشق هذا الأمر ويقوم به لوجه الله تعالى. التحق محمد يحيى بالأزهر بعد المرحله الابتدائية سنة 1989م، صعد على المنبر لاداء خطبة الجمعة فى مسجد الامام الطرطوشى بالاسكندرية في 25/5/1990م وقد كان عمره ساعتها 13 سنة، وكان هذا امراً فريدا نادرا خصوصاً في مدينة الاسكندرية وفي مثل هذه السن. قام بأداء خطبة الجمعة في كثير من مساجد الإسكندرية، وكان له الأثر الكبير في مستمعيه، حتى قامت اذاعة الاسكندرية بإذاعة خطبه المنبرية على الهواء مباشرة. اعتمد محاضراً ومدرساً بإذاعة الاسكندرية ولم يتجاوز السابعة عشرة من عمره. استضافته اذاعة الاسكندرية في برنامج (من اقوال الرسول)، الذي كان يذاع في رمضان قبل الافطار؛ للاجابة عن الاسئلة الحديثية المتعلقة بالصيام واحكامه. كما استضافته في الامسيات الدينية التي كانت تبثها الاذاعة بصفة دورية. حصل على المركز الاول مرتين في الشعر على مستوى الازهر الشريف بالاسكندرية. كما حصل على المركز الثاني على مستوى الجمهورية في الخطابة الدينية، وكان ذلك وهو لا يزال بالصف الثاني الاعدادي 1991م. كما قُرئ عليه كتاب الشمائل للإمام الترمذي وبعض من كتاب الشفا للقاضي عياض، والبردة الشريفة، وكتاب «أربعون مسألة في أصول الدين» وجزء من موطأ الإمام مالك والعديد من الكتب الأخرى. ثم قرأ هو بإشارة شيخه أيضا الكتب الستة للبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي والموطأ، زيادة على مطالعة كتب المصطلح وأصول الحديث.