أحد أبرز الثغرات الاجتماعية التي يمكن أن تنسف المنظومة الاجتماعية هو غياب الحوار الأسري، فهو وسيلة تربوية تتطلب الرعاية والاهتمام في سلوك الوالدين تجاه أبنائهم لأن ذلك الغياب يوجد ثغرات في بنية الطفل العقلية تنمو معه ويحاول إشباعها مع تزايد جوعه المعرفي في فترة الوعي والإدراك، وسيظل بلا شك باحثا حتى يلتقطها أو يجدها دون استيعاب كامل لصحتها أو خطئها. ذلك يقودني إلى المسار الذي يمكن أن يتجه إليه الشباب الصغار إلى الأفكار المتطرفة التي تشبع أو توهمهم بإشباع ميولهم الفكرية والعقدية، فهم في الواقع مصابون بخلل وفقدان الاتزان الإدراكي الذي يجعلهم ينحازون بشغف للمعوضات العقدية بكل ما فيها من قناعات وخيارات تبدو لهم كفيلة بسد الثغرات التي يحتاجون للمساهمة في سدها، فيكونون أكثر اندفاعا للقبول والإيمان واليقين المطلق لأن هناك فجوة كبيرة حدثت في غياب حوار عقلاني منذ النشأة يحدث التوازن المطلوب لديهم، حتى وإن لم يكن كفيلا بتزويدهم بالمعرفة التي يحتاجونها إلا أنه يضعهم في الطريق الصحيح للاختيار بين البدائل وأن كل قناعة مكتسبة ينبغي تمحيصها وتشريحها ذهنيا وعقليا وفقا لمرجعيات تم إيجادها في العقل مبكرا وتساعدهم في البحث المنطقي والاحتفاظ بالثوابت بعيدة عن شغب المتغيرات. من المهم أن يتم الارتقاء بالحوار الأسري كوسيلة مانعة للانهيار الفكري والسلوكي للناشئة حتى لا يكبروا في أجواء من الفراغ والسطحية والتعرض لمختطفين محتملين لديهم أغراضهم وأهدافهم التي لا تتفق مع القواعد والأسس الاجتماعية والدينية والوطنية، فالقفز على خيارات الناشئة في المراحل التالية للنشأة الأسرية والخروج الى الأجواء الاجتماعية والدخول في العالم الافتراضي الحالي عبر المواقع الاجتماعية يجعلهم بلا مناعة فكرية وثقافية يفترض أن توجد لديهم وكأنها جرعة تطعيم قيمية وعقلية وسلوكية يمكنها أن تقول «لا» لكل ما يتعارض مع حقائق الأشياء دون إفراط أو تفريط، وبالتالي فإن الاسرة هي المرجعية الأولى لكل القيم التي ينشأ عليها ابنها، مع دور مواز ومحوري للمدرسة والمؤسسات المدنية والاجتماعية التي ينبغي أن تؤسس وتبتكر برامج ومشروعات متطورة لمساعدة الأسر في تطوير الحوار ورفع معدلات الذكاء الاجتماعي للأفراد حتى يحموا أنفسهم أمام تيارات الاختراق والاستلاب وفي مقدمتها صيادو المواقع الاجتماعية الذين يتبعون المتطرفين والطائفيين ولا يقيمون وزنا لأمن واستقرار المجتمعات لأنهم في الواقع لا يؤمنون بها، وعلى استعداد لتدميرها وفرصتهم المثالية أن يجدوا ناشئة دون طاقة فكرية وخمول ذهني ونفسي بسبب عدم تطوير القدرات الحوارية لديهم.