باتت مواقع التواصل الاجتماعي، على تنوعها واختلافها، ملاذاً لعدد كبير من أفراد المجتمع، للتعبير عن ذواتهم وآرائهم، والتواصل مع بعضهم البعض، صوتاً وكتابةً وصورة، وهذا ما يؤكده الإقبال الهائل على كل برنامج أو تطبيق جديد فيما يسمى "الشبكات الاجتماعية"، التي أصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا، ومصدراً للنقاش والجدل الاجتماعي، بل والإعلامي أيضاً، حيث تستفيد وسائل الإعلام التقليدية، من صحف وقنوات فضائية، من الكتابات المنشورة في مواقع "تويتر" و "فيسبوك"، أو المقاطع المصورة الموجودة على "يوتيوب"، في مادتها المقدمة إلى الجمهور، إضافة إلى تعزيز التواصل بينها وبين الجمهور، عبر حساباتٍ تفاعلية في هذه المواقع، ما يُمكنها من الوصول إلى شرائح أكبر. جاذبية الإعلام الجديد، أو ما يُعرف بمواقع التواصل الاجتماعي، تكمن في قدرتها على إعطاء مساحة لعدد كبير من الناس، لا يجدونها في واقعهم، فهؤلاء يمكنهم من خلال هذه المواقع، تجاوز حواجز من أنواع مختلفة، لقول ما يريدون، والتواصل مع الجميع، لكن هذا لا يعني الانفصال التام عن الواقع، بل هناك تفاعل واضح بين هذه الشبكات وواقعنا، حيث تؤثر هذه الشبكات في الواقع المعاش وتتأثر به، والناس حين يتواصلون في الشبكات الاجتماعية، لا يتجردون من أفكارهم وتصوراتهم المسبقة، وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية، بل إنها تحضر في استخدامهم لهذه الشبكات، لذلك يمكننا أن نجد التبشير ببعض الأفكار والأطروحات، والمعارك الفكرية، والاتهامات المتبادلة، والشحن والانفعالات، وكلها انعكاسات لواقعنا، وليست وليدة الشبكات الاجتماعية، إذ لم تفعل هذه الشبكات شيئاً سوى تظهيرها بشكل قوي وتسليط الضوء عليها. مواقع التواصل الاجتماعي هي أدوات للتواصل، يمكن تعبئتها بأي شيء، وليست منفصلة عن الواقع، لكن المبالغة في تقدير تأثيرها على الواقع، قد يقود إلى أوهام كبيرة، كما أن بعض النجوم الذين تصنعهم الشبكات الاجتماعية، يعانون من السطحية في الطرح والتفكير، لكنهم يلعبون على دغدغة عواطف الناس، ويدندنون على أوتارٍ شعبية، فيحصدون عدداً أكبر من المتابعين لما يقولون، ويصابون بتضخم ذاتي نتيجة ذلك، فنكون أمام أنصاف مثقفين، تصنعهم هذه المواقع، ويساهمون في نشر السطحية. من المفهوم أن الناس، وخصوصاً الشبان والشابات، يهربون إلى مساحاتٍ أكبر، ويعبرون عن ما يرغبون بالتعبير عنه، وهذه ميزة إيجابية لمواقع التواصل، تصيب الحواجز القائمة في واقعنا بشروخات كبيرة، وتغير في ثقافة الناس وتعاطيهم مع بعضهم، لكن لهذا سلبياته أيضاً، ومنها انتشار التسطيح، عبر الطابع الاختزالي لمواقع التواصل، التي لا تسمح بأكثر من حروفٍ أو ثوانٍ محددة للتعبير عن الفكرة، أو عبر الطرح "الشعبوي" الذي يدغدغ عواطف الناس بالإصرار على التسطيح. إضافة إلى ذلك، باتت الشبكات الاجتماعية مصدراً للشائعات والأكاذيب، والتضليل الإعلامي، والسير وراء بعض الحسابات وما تحكيه من معلومات، يجعل الناس أسرى للأوهام، ويبعدهم عن الحقيقة، إذا لم يدققوا جيداً، في المعلومة وقائلها.