لم تكن تدري مدينة شرم الشيخ المصرية في جنوبسيناء، أنها بدلاً من أن تكون قبلة السياحة العالمية، ستتحول إلى منطقة تشكو الهجران بفعل التحذيرات المختلفة من السفر إليها، عقب كارثة الطائرة الروسية، قبل أقل من أسبوعين، وأودت بحياة 224 من السياح الروس، في جريمة تتصاعد الشكوك حول كونها عملاً إرهابياً. فالمدينة، التي تقع على مساحة تقترب من 500 كيلو متر مربع، عند ملتقى خليجي العقبة والسويس على ساحل البحر الأحمر، باتت "الدجاجة التي تبيض ذهباً" بالنسبة للمصريين الطامحين في زيادة مصدر دخلهم، واستطاعت في غضون سنوات قليلة، بعد اكتمال تحرير سيناء (1982) أن تكتسب اسم "مدينة السلام" نسبة إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (1979) وتكون واحدة من أجمل أربع مدن في العالم، طبقاً لتصنيف الBBC لعام 2005.. إضافة لاعتمادها النظم الحديثة في المعمار والترفيه والأمان والخدمة الفندقية، ما أهلها للفوز بجائزة منظمة اليونسكو لاختيارها ضمن أفضل خمس مدن سلام على مستوى العالم من بين 400 مدينة عالمية. «عوفيرا» الإسرائيلية لم يكن يعرف كثير من المصريين الآن، أن مدينتهم الساحرة، سبق أن بناها الإسرائيليون (عام 1968) خلال احتلالهم سيناء عقب نكسة يونيو 1967، كمستعمرة عسكرية، حملت اسم "عوفيرا"، لتكون مقراً لقواتهم الجوية، وتضم 500 وحدة سكنية بنيت على شكل مدرج، حتى يسهل القفز من دور أو مبنى لآخر، تفاديا لأية هجمات مصرية، وزيادة في الاحتياطات بنى الإسرائيليون أسفلها الكثير من الخنادق للاختباء والحماية، تحولت لاحقاً إلى ثكنات للعمال الذين كانوا يعملون في بناء المنشآت الحكومية. وعقب انتصار أكتوبر، تسلمت مصر المستعمرة عام 1979 خلال مراحل التفاوض وأطلقوا عليها "مساكن اليهود"، لتتحول تدريجياً إلى مساكن للموظفين الحكوميين في شرم الشيخ.. قبل أن تتوسع بشكل غير مسبوق ويقطنها قرابة 35 ألف نسمة، غالبيتهم يعملون في صناعة السياحة. ولاحقاً، اعتمدت الحكومة المصرية مشروع إنشاء مدينة جديدة على بعد 5 كلم من مدينة شرم الشيخ الحالية، في اتجاه مدينة الطور على مساحة 29 ألف فدان بتكلفة استثمارية 100 مليار جنيه مصري، لكي تستوعب مليون مواطن، وتضم وحدات سكنية، ومدينة حرفية، وكافة الوسائل والمشروعات الخدمية، وذلك بهدف تخصيص مدينة شرم الشيخ الحالية للتنزه والسياحة والترفيه فقط، في حين تكون المدينة الجديدة لسكن العاملين والخدمات. مركز عالمي وفيما تشتهر شرم الشيخ، بأنها أحد مراكز الغوص العالمية التي تجتذب الهواة والمحترفين من شتى أنحاء العالم، تضم أيضاً مطاراً دولياً، وأمام ساحلها تقع جزيرتا تيران وصنافير، ومن أهم مناطقها خليج القرش، رأس نصراني، رأس أم سيد، رأس جميلة، رأس كنيسة، شرم المية، نخلة التبل، إلى جانب محمية رأس محمد (جنوباً) ومحمية نبق بينها وبين دهب، وخليج نعمة عند ملتقى قارتي آسيا وإفريقيا، والذي يتميز بشوارعه التي تحمل أسماء الزعماء والملوك العرب، كما تحتوي المدينة على أكثر من 200 فندق ومنتجع بخلاف المطاعم والمقاهي والأسواق التجارية والمدن الترفيهية والملاهي الليلية. أيقونة السلام وسط ساحة ميدان السلام في مدخل مطار شرم الشيخ الدولي وطريق دهب والطريق الدائري للمدينة، ينتصب نصب تذكاري، يحمل اسم "أيقونة السلام"، وقد صممت بارتفاع 34 متراً، على شكل عناقيد من الجرانيت الأسود تحمل أوراق اللوتس يعلوها ثمانية أجنحة مستوحاة من أجنحة رع تحمل الكرة الأرضية بقطر 10 أمتار عليها خريطة العالم من الصلب الذي لا يصدأ، محدد عليها موقع مصر باللون الذهبي، ويطير فوقها الحمام الذي يحمل غصن الزيتون رمزاً للسلام، ويحيط بها نافورة قطرها 35 متراً، بها نحو 47 فوهة خروج مياه بارتفاعات مختلفة يصل ارتفاعها إلى 16 مترا بشكل حلزوني، كما تم تنسيق موقع الأيقونة باستخدام خليط من الدوائر حول النافورة، عبارة عن مزيج من الزراعات والأزهار الملونة، وروعي تصميم منطقة انتظار للسيارات يتوسطها مدخل للساحة أمام الأيقونة محاط بالنخيل بانحناء خفيف يوجه الزائرين إلى الممشى حول النافورة. أنشئت الأيقونة وصممت بأيد مصرية كرمز للسلام، وتم تسجيلها في موسوعة جينيس كأكبر وأطول عمل معدني فني في العالم. من السلام للإرهاب ورغم أن المصريين اعتمدوا المدينة رمزاً للسلام بين جميع دول العالم، واستضافت العديد من المناسبات الدولية، مثل قمة صانعي السلام (1994) وقمة مجموعة ال15، والتي عقدت لأول مرة في مصر (1998) ومحادثات واي ريفر 2 بين الفلسطينيين والإسرائيليين (1999) وقمة شرم الشيخ الرباعية (مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل 2005)، والقمة العربية (2003 و2015) وقمة حركة عدم الانحياز (2009)، ومؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري (التي دعا إليها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز 2015)، وغيرها من المحافل الدولية، إلا أنها لم تسلم من حوادث مأساوية، أو هجمات إرهابية، كانت بدايتها مع مقتل 148 شخصاً، منهم 133 فرنسياً، في سقوط طائرة تتبع شركة خطوط فلاش الجوية المصرية، عقب 10 دقائق فقط من إقلاعها من مطار شرم الشيخ (يناير 2004). يعقبها في العام التالي (يوليو 2005) سلسلة عمليات إرهابية، تمثلت في ثلاثة تفجيرات متتالية ضربت المدينة، حيث استهدف الإرهابيون بسيارة مفخخة منطقة السوق التجاري القديم، تلاها بعد نحو 5 دقائق، انفجار استهدف أحد المنتجعات السياحية على خليج نعمة، ثم وقع الانفجار الثالث بعد ثلاث أو أربع دقائق، عن طريق عبوة ناسفة شديدة الانفجار داخل مرآب خاص بمنطقة خليج نعمة أمام المراكز التجارية.. وكانت حصيلة يومٍ دامٍ من المأساة، قرابة 80 قتيلاً، و180 جريحاً، ماعدا أضرارا بالغة في السيارات والمحال والممتلكات. اهتزت مصر عقب الحادث الذي جاء بالتوازي مع عدة تفجيرات عالمية ضربت كلا من لندن، وبيروت، وتركيا.. وزادت من احتياطاتها الأمنية لتأمين السياح الأجانب. كارثة الطائرة الروسية وكأن مصر في حاجة لمزيد من الوجع، في ظرفها الراهن، كانت كارثة الطائرة الروسية، التي سقطت وعلى متنها 224 من السياح الروس، القشة التي ضربت ظهر المدينة المسالمة ومعها كل الاقتصاد المصري.. في حادث لا يزال الغموض يلفه، رغم إشارات صريحة (بريطانية وأمريكية) بثمّة عمل إرهابي، تزامنا مع إعلان تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن الواقعة. الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا، أعلنت في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة في تاريخ حوادث الطيران العالمية، إجلاء رعاياها، المقدر عددهم ب20 ألفاً، تبعتهم روسيا بقرار للرئيس بوتين، بحظر الرحلات إلى مصر، وإعادة قرابة 80 ألف سائح، ليجد المصريون أنفسهم في حالة اعتبروها إعلان حرب اقتصادية عليهم، أعادتهم لأيام المواجهة مع الغرب في خمسينيات القرن الماضي.. لتتعدد أحاديث المؤامرة المتعمدة، خاصة وأن الإعلان البريطاني جاء تزامنا مع زيارة كان يقوم بها الرئيس المصري للعاصمة لندن، وهو ما اعتبره سياسيون في القاهرة تعمداً لإحراج الرئيس، واستباق نتائج تحقيقات تتولاها لجنة مشتركة من كل من مصر وروسيا وفرنسا وأيرلندا وألمانيا. المصريون الذين غضبوا من إعلان توافر معلومات استخبارية، لم يتم إعلامهم بها، تضاعف لديهم شعور المرارة، ويخرج وزير الخارجية مندداً بدول تدّعي قيادة الحرب على الإرهاب، تخفي معلومات خطيرة كهذه يمتلكونها قبل الحادث ب72 ساعة، ويكتفون بإعلانها فقط عبر وسائل الإعلام. جرح وأمل في النهاية تبقى مدينة السلام ومعها مصر كلها تلعق جراحها على مضض، تنتظر شهادة تبرئة من اختراق إرهاب طال كل العالم، ويرى المصريون أن لا أحد يساعدهم بصفاء نيّة، وكانت نتيجته أرواحا بريئة تتطلع للحظة قصاصٍ من مجرمين استباحوا كل شيء، ويبقى على العالم ألا يكتفي بالوقوف حداداً.. بل يساهم في استئصاله.. ولا يترك بلداً يدفع وحده ثمنه الفادح.!