مفردة الازدهار في اللغة تعني النمو والتقدم والانتعاش، وعند تطبيقها على المدن نستطيع القول إن المدن المزدهرة تعيش نمواً وتقدماً وانتعاشاً وتطوراً، والساكنين فيها ينعمون بجودة حياة عالية، وقد تكون لدينا تصورات وانطباعات شخصية عن معنى الازدهار في مدننا كالشعور بالسعادة والأمان، والحصول على جميع الخدمات الأساسية بشكل مرضٍ، والشعور بالانتماء والتقدير وان هناك توجها ملموسا من سلطات المدينة (الإدارة المحلية) أو الحكومة نحو خلق مدينة أكثر ازدهارا من خلال حجم ونوع المشاريع التنموية التي تخدم السكان إلا أن هذه التعريفات والتوصيفات تظل عائمة وغير مقاسة، ويبقى السؤال المحوري الفارض لنفسه: ما المؤشرات الدالة على أن هذه المدينة مزدهرة ؟وبصيغة أخرى ما مظاهر ومخرجات المدينة المزدهرة؟ اعتمد برنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل UN-HABITAT) ستة مؤشرات لقياس ازدهار المدن وهي جودة الحياة، الإنتاجية، البنية التحتية، العدالة الاجتماعية، الاستدامة البيئية، الحوكمة الحضرية. ومؤشر جودة الحياة يعني أن المدينة التي تتمتع بجودة الحياة توفر لجميع ساكنيها وبغض الطرف عن العرق والجنس والوضع الاقتصادي والاجتماعي، السكن اللائق، والخدمات الأساسية الملائمة، وتسهيل الوصول إلى المنافع والمرافق، وتوفير جميع خدمات النفع للكل دون استثناء. أما مؤشر الإنتاجية فيرمي إلى أن المدينة المزدهرة تقوم بتعزيز برامج التنمية الاقتصادية من خلال خلق الظروف لتوفير الوظائف اللائقة والفرص المتساوية لكل فرد من خلال تنفيذ السياسات والإصلاحات الاقتصادية الفعالة واستخدامها وسائل العلوم والتكنولوجيا والأبحاث والتطوير وبطرق ابداعية ومبتكرة، وأما المؤشر الثالث فهو تكامل البنية التحتية مثل المنافع والخدمات والطرق والاتصالات، ووجود الحلول والتطبيقات الرقمية، وتوفر أنظمة النقل الحضرية بين أنحاء المدينة وجوارها، والمؤشر الرابع وهو العدالة الاجتماعية وهو أن المدينة المزدهرة تقوم بتقليص فرص عدم المساواة بين مواطنيها وخفض مستويات الفقر جذرياً من خلال ضمان توزيع مكتسبات التنمية من خلال حماية حقوق الفقراء والأقليات والمجموعات المحرومة مما يعزز المساواة وضمان مشاركة الجميع في مختلف الأنشطة التجارية والثقافية والاجتماعية وغيرها. وأما مؤشر الاستدامة البيئية فيعني أن المدينة المزدهرة تمنع أو تقلل الخسائر البيئية عبر ايجاد الحلول الإبداعية لتعزيز جودة البيئة فيها وتحقيق التوازن بين الإنسان والطبيعة وتحافظ على الموارد الطبيعية وتمنع الاعتداء عليها، ومن هذه المؤشرات الخمسة يبرز المؤشر السادس وهو الحوكمة الحضرية أي وجود القدرة المؤسساتية والتنظيمية للمدينة (الإدارة المحلية) لرصد وتقويم مسيرة المؤشرات الخمسة الأخرى الآنفة الذكر. هذا على الجانب النظري، أما على الجانب العملي فقد أحسنت وزارة الشؤون البلدية والقروية صنعا بابرام اتفاقية شراكة عام 2014 مع برنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية لتنفيذ برنامج مستقبل المدن السعودية لعدد 17 مدينة والمعتمد بالأمر السامي الكريم رقم 28119 وتاريخ 23/7/ 1434وهو أكبر مشروع على مستوى العالم العربي ويتوقع انجازه خلال عام 2018 ويهدف هذا المشروع إلى تحقيق نقلة نوعية في المدن السعودية من خلال تطوير العملية التخطيطية للمدن ويرتكز على أربعة محاور رئيسية هي قياس معدل الازدهار والرخاء في المدن، وتقويم أساليب التخطيط والتصميم العمراني، وبناء قدرات العاملين في العملية التخطيطية، والعمل على تطوير التشريعات مع إشراك الشباب في العملية التنموية، وقد باشر الاستشاري المختص قياس مؤشرات ازدهار المدن بعقد ورش عمل بتنسيق بعض المراصد الحضرية في أرجاء المملكة والتي تعمل على رصد وجمع وتحليل المؤشرات الحضرية في المجالات الرئيسية مثل السكان، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية ،والتنمية الحضرية ،والقضايا البيئية وغيرها مما يسهم في دعم اتخاد القرارات ووضع السياسات التنموية الحضرية.. وفيما يخص مؤشرات ازدهار المدن تم بالفعل استطلاع رأي الشركاء من مسؤولين ومختصين ومهتمين وأعضاء مجالس بلدية بهدف قياس معدل الازدهار والرخاء في المدن المستهدفة عبر قياس أثر المؤشرات الستة عليها ومن خلال المخرجات ، وبعد تقييم الوضع الراهن للمدن المستهدفة بطريقة علمية منهجية، يمكن تحديد أوجه النقص التي تواجهها المدن، وتحديد البرامج والمشاريع اللازمة لمعالجة النقص وإعداد الخطط التي تسهم في تحول المدن السعودية إلى مدن حضرية أكثر جاذبية وذات تنافسية عالية تحقق السعادة والرخاء لساكنيها، وبمشيئة الله تعالى سيكون القادم أجمل.