سلسلة هذه المقالات نتاج بحث ودراسة، الأمر ليس خواطر وموضوع تعبير وحكايات، هي مقالات علمية تشكل رؤية وفلسفة إنجاز، تبعث الأمل والفكر السديد لصالح الماء، نتاج وقفة تفكير وتأمل، تقصي وملاحظة موجهة بقراءة علمية، وقفات تحمل رؤية، منهج لتتبع خطى الذين مضوا، تركوا أكثر من أثر مائي ومعلم. قراءته وتفسيره إنجاز. البناء عليه وإحياؤه إثبات وجود. الاستفادة منه ضرورة ملحة قبل عطش التجاهل ونتائجه. عندما يتحدث كاتبكم في أمر إدارة مياه الأمطار، فإنه لا يخترع شيئا جديدا، إنجاز تحقق لأهلنا في مراحل سابقة. إنجازنا أن نكشف إنجازهم، نوضحه ونقدمه بفخر، نعطيه تفسيرا علميا موثقا، نمنحه بعدا فلسفيا لتتبناه الأجيال. الأمر برمته محاولة إحياء، الهدف مواجهة تحديات نقص الماء، تجنب نتائج تحديات المشاكل والاحتياجات. من مهامنا كباحثين إعطاء تفسير علمي لممارسة أهلنا في مناطقنا الجافة الممطرة، تفسير يقودنا إلى فرض إدارة بيئتنا الجافة الشحيحة بالمياه والأمطار، البيئة الحسّاسة لكل تعامل مضر، في النهاية الماء هدفنا. بلادنا خالية من الأنهار والبحيرات، كانت تعتمد على مواسم الأمطار السنوية، تعتمد أيضا على مياه الأمطار المخزونة بين حبيبات التربة عبر السنين، هي المياه الجوفية المتجددة، تكون شحيحة عندما تنحبس وتقل الأمطار، يزداد منسوبها بزيادة هطول الأمطار. هذه النوعية من المياه الجوفية تحملها طبقات الأرض إلى عمق يصل (50) مترا، لها قواعد جيولوجية تختلف من موقع لآخر. وعبر التاريخ نجح أهلنا في استثمار مياه الأمطار، هذا ما ساعدهم للاستمرار في استيطان المناطق الجافة، اعتمدوا على مناهج تراكمية، الممارسة جعلتها علمية موثقة بالتجربة، تعاملوا بصدق مع أنفسهم وبيئتهم، أخذ وعطاء متزن غير جائر. تعاملوا مع البيئة بحساسية وبحكمة، الهدف استدامتهم وبيئتهم، هو الوطن يحمونه ويحضنهم، كنتيجة برعوا في كل جانب من الحياة. أهلنا السابقون كانوا يملكون علم الزراعة الجافة، يملكون علم صيد الأمطار وعلم إدارتها، حققوا أيضا نجاح علم إدارة السيول، اعتمدوا على مهارات تراكمية ناجحة، مهارات تتوارثها الأجيال في إدارتهم لبيئتهم الجافة. وصلوا مرحلة الاتقان في كل شيء، كنتيجة كانت ثمرة الاخلاص للبيئة حبا ومنفعة. هذه الإدارة جعلت أهلنا في مناطقهم الجافة يتنبهون الى عدم تحدي البيئة، جعلتهم يعيشون حالة وئام معها، أصبح لكل جانب في هذه البيئة إدارة، كنتيجة تحقق نجاح استمرار حياتهم على أديمها الجاف، أيضا ساعد على استمرار العطاء، تجلّى نجاح إدارتهم عندما سادت أزمنة الجفاف، أعتبرها شخصيا حضارة الرمق الأخير، الحضارة الأكثر نجاحا وتبصرا بالتمسك بهذه البيئات في أقسى الظروف. مراجعة المهارات المائية التقليدية لأهالنا في مناطقهم الجافة، والبحث عنها وتحديدها، سيحقق وفرة المعلومات، لنعمل على تحديثها وتحويلها إلى أفكار غنية، لنسندها بتقنيات حديثة مناسبة، الهدف جعل الماء أكثر وفرة في بلادنا الجافة. كل المؤشرات تكشف مستقبلا واعدا، لنعيد اكتشاف الطرق التقليدية التراثية المحلية، هناك إدارة حصاد المطر والتخطيط البيئي، هناك إدارة مياه الأمطار والسيول، لها هياكل وأنظمة ستجعل حصاد وصيد وجمع وخزن مياه الأمطار ثقافة أجيال قادمة، ثقافة ستشكل جزاء مهما وملهما للمستقبل. التراث المهاري البيئي المائي كنز ثمين، كنز أهملناه ونسيناه، كنز سنحتاجه في ظل زيادة الطلب على الموارد المائية، كنز بحاجة إلى إعادة اكتشاف وتطوير وتنمية. يؤكد كاتبكم أهمية أن يكون أحد الحلول في البيئات الجافة مستقبلا، خيار استراتيجي لمواجهة أزمات نقص الماء، الخوف من ضياع واندثار تلك المهارات، أدعو القيام برصد دقيق وسرعة تحرك. لنحدد ونكشف أسرار التراث المهاري المائي في المملكة، تظل شاهدا على قدرة إنسان هذه البيئات الجافة في استغلال كل قطرة مطر، شاهدا على التكيف مع الظروف البيئية الهشة والشديدة الحساسية، نجاح تحقق عبر القرون في استغلال الأمطار، قد تبدو أفكارا صغيرة لكنها تحقق أحلاما وتطلعات عظيمة، أفكار يمكن أن تساهم في تحقيق الأمن المائي، أتطلع لتحقيقه لصالح الحاضر والأجيال القادمة. حتى الآن نعيش حالة تجاهل لكل موروث، انهيار النظم الزراعية والمائية التقليدية أحد مؤشرات التصحر، أدعو لحماية تلك النظم ودراستها. لنعمل على تطويرها ونشرها كأداة فاعلة لتحقيق الأمن المائي والغذائي للأجيال القادمة. الأمطار نعمة، نصلي لله من أجل سقوطها، نتبادل التهاني بعد سقوطها، كيف نفرط اليوم بهذه النعمة ونتجاهل منافعها؟! ويستمر المقال بعنوان آخر.