ذلك العشق الخالد الذي تصور في العقول وتغلغل في القلوب حتى أصبح مثلاً. الأحساء.. تلك الحديقة الوارفة الظلال، الأيكة الجميلة التي ينتشر من أوراقها عبق الماضي وتاريخه المجيد وتصور الحاضر وانجازاته الدائرة في عملية الإصلاح التي حملها رجال أحبوا الأحساء فأحبتهم وخدموها فأعطتهم وكلما اقتربوا من ظلالها فتحت لهم صدرها فاحتوتهم. الأحساء.. أم عظيمة يمتد عطاؤها لكل من انضوى تحت جناحها ورضع من لبانة قلبها وعصارة روحها. الأحساء.. أحساء الحلم والأناة وهما صفتان ذكرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس الذي تشرف برؤيته والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. الأحساء الكرم، والتفاني في خدمة الضيف.. الأحساء من قصدها لا يغادرها إلى أي مكان لأنه وجد على أرضها الراحة والحنان ومن أهلها الكرم وحسن الضيافة. إن أرض الأحساء المسترخية على ضفاف السواني والينابيع وتحت ظلال النخيل وأشجار الاترج والرمان تلك الأرض الخصبة التي جمعت كل محاسن الطبيعة فأكسبت أهلها الطيبة المتناهية والمبادرة إلى خدمة الآخرين والإخلاد إلى السكون والقناعة قال أهل الأحساء قديما: هجر وربع القوت. أنهم يقتنعون بربع ما يستحقون على ألا يغادر أحدهم أرض هجر التي ولد عليها وشم عبير ترابها وشرب من ينابيعها ثم تحولت هذه المقولة (هجر وربع القوت) إلى لازمة لكل من أقام بالأحساء وعايش أهلها بالجوار أو بالزمالة في العمل أو المصاهرة، فإنه لن يستبدلها ببقعة أخرى إلا أن تكون أرض الحرمين أو أن تجبره ظروف العمل على الانتقال. هذه هي الأحساء بينابيعها الجارية وجبالها العالية وكهوفها العميقة ومساجدها الأثرية ونخيلها السامق وأهلها الطيبين ومجالسها المفتوحة تستحق أن تكون إحدى عجائب الدنيا وقد تحل في المرتبة الأولى منها تمرها عجيب حسن شكلاً وموضوعاً ونسيمها عليل ومياهها عذبة جارية ومبانيها الطينية باردة في الصيف دافئة في الشتاء تكفي من أعاجيبها جبل قارة وكهوفه الباردة وعين أم سبعة وأنهارها السبعة ومسجد جواثى وأوليته في الاسلام.. هذه هي الأحساء إحدى العجائب.. هذه هي الأحساء التي قال عنها الشيخ عبدالعزيز آل مبارك يرحمه الله بلادي هي الدنيا ومن حل سوحها هم الناس كل الناس في البدو والحضر وقد حصلت الأحساء على أصوات ثلاثة شعراء منذ ما يزيد عن ربع قرن وأول هؤلاء الشعراء الشاعر عبدالله الجشي يرحمه الله حيث خاطب الأحساء بقوله: تكاثري، تكاثري، يا سعفات هجر تكاثري تكاثر الأزهار غب المطر وطوفي بكل نبع دائم التفجر طواف أهداب رشيقات بجفن أحور أما الدكتور محمد الشماسي الذي أقام في الأحساء فترة ثم غادرها فحن إلى ذكريات تلك الأيام، فقال: ذكروا الأحساء فغنت طربا نفسي الولهى الأيام الصبا ذكرها المعسول بالحب جرى في فؤادي لم يزل ملتهبا وحياها الشاعر عباس خزام يرحمه الله بقصيدة مطلعها: ما أجمل النخل في واديك يا هجر يغفو عليها الربيع الحالم العطر بها تدلت ثريات مذهبة كأن ألوانها الياقوت والدرر ملاحظة: الحساء تسمية غير أصيلة وإنما الأصل (الأحساء) جمع حسي كما في القاموس.