قال أحد الفلاسفة اليونانيين، في الحرب تكون الحقيقة هي أولى الضحايا. والرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات خاض حربا ولكن الحقيقة لم تضع معها، وقد يكون التاريخ هو من ضيعها. فهل أنصف التاريخ محمد أنور السادات؟. قبل عدة أيام مرت ذكرى حرب أكتوبر عام 1973م. ومن الأمور التي يذكرها البعض من المؤرخين عن الرئيس الراحل وحروب مصر مع إسرائيل هو أن أنه لم يهرب من حقيقة هزيمة الجيش المصري في حرب يونيو 1967، بينما هرب قادة الجيش في إسرائيل عام 1973م من أسباب فشلهم بعدم معرفة أن هناك حربا كانت تلوح في الأفق رغم ضخامة الحشد على الجبهة المصرية - الإسرائيلية. وقبل الحرب استطاع استخدام الدبلوماسية أولا ليظهر للعالم أن إسرائيل رافضة للسلام. ولهذا السبب لم تصدر إدانات ذات صدى لمصر عندما شنت الحرب. بل أن الكثير رأى أنها حرب شرعية لوضع إسرائيل أمام الأمر الواقع رغم أن الهدف من الحرب كان محدودا، ولكن في نهاية الأمر انكسرت الحواجز النفسية حيال القوة الإسرائيلية. والأكثر من ذلك هو أنه استطاع قبل الحرب من استخدام الاستخبارات الإسرائيلية لصالحه عبر عملاء مزدوجين كان هدفهم تظليل القيادة الإسرائيلية. وبعد حرب 1973 بعدة سنوات استطاع بتوقيع معاهدة سلام أن يستعيد كل شبه جزيرة سيناء دون الدخول في أي معركة أخرى، وسط استغراب واعتراض الأحزاب المعارضة للاتفاقية من الطرف الإسرائيلي. وبعد الاتفاقية حدثت أكبر هزة سياسية في الشرق الأوسط بعد أن اندلعت شرارة التغيير في إيران ليتم اسقاط أحد أكثر الأنظمة استقرارا في المنطقة وأكثرها قابلية للتطوير في الأنظمة الاجتماعية والسياسية. والغريب في الأمر هو أنه بعد مغادرة شاه إيران بصورة نهائية كانت وسائل الإعلام العربية كلها تقريبا متحمسة للحقبة التي تلت مغادرة الشاه. بعكس الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي وقف بجانب صديقه القديم شاه إيران، وكأنه كان يقرأ المستقبل عندما اتضحت للجموع العربية بأنه لم يكن في صالحها سقوط شاة إيران. وفي الوقت الحالي، فعند سماع ما كان يتحدث عنه ويحذر منه قبل عشرات السنين تجد أنه قد يكون سبق زمانه في أمور كثيرة. ومثال على ذلك فبعد توقيع اتفاقية (كامب ديفيد) كان بالإمكان حل الكثير من الأمور الشائكة فيما يخص القضية الفلسطينية. وكان بالإمكان أن تعود هضبة الجولان إلى سوريا والتي لم يتم ضمها بعد لإسرائيل (أنكسيشن) رغم أنها كانت محتلة منذ 1967م. وكذلك كان بالإمكان تغيير الخريطة العامة لإسرائيل خاصة فيما يخص نسبة الأراضي التي كان من الممكن أن تكون تحت سيطرة الفلسطينيين، والتي لم تعد الآن تحت سيطرتهم، وبعدها قامت إسرائيل بالتمدد في بناء المستوطنات فوق أراض كان بالإمكان أن يضع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل تلك الأراضي تحت تصرف السلطة الفلسطينية. ورغم جهود الرئيس الراحل في حل القضية الفلسطينية بطريقة مباشرة، إلا أن أكثر المعارضين أتوا من النخبة الفلسطينية التي كانت تتحدث مع إسرائيل.