دور القطاع الخاص أساسي دون شك، أو يجب ان يكون كذلك. لكن اقتصادنا اقتصاد نفطي، كما نعلم جميعاً. ونعلم جميعاً كذلك أن الدولة تسعى من الأربعينيات من القرن الميلادي المنصرم لنشر التنمية، ومنذ مطلع السبعينيات الميلادية أطلقت خططاً خمسية للمواءمة بين التنمية والنمو الاقتصادي، باعتبار أن الأساسيات التنموية شرط سابق لأي تنويع اقتصادي، فالبنية التحتية ضرورية حتى تقام عليها بنية فوقية (لأنشطة إنتاجية). إذاً، السؤال (هل حان الوقت ليمارس القطاع الخاص دوره) ليس جديداً، فعلى مدى الخمسين عاماً الماضية كان دور القطاع الخاص دوراً رديفاً، يعيش في ظل الانفاق العام ويقتات عليه، ولا بأس في ذلك، شريطة تقديم قيمة مضافة للاقتصاد وللمجتمع، وإلا لم الدعم ولم الإعفاءات ولم الحماية؟ تقدم كلها من قبل الحكومة والمجتمع حتى تتمكن منشآت القطاع الخاص من ممارسة دور إيجابي يضيف للاقتصاد الوطني وللمجتمع بما يراعي أسس استدامة النمو، وليس من خلال استراتيجية "أنا ومن بعدي الطوفان". والآن وقد بدأت تصلنا تأثيرات انخفاض إيرادات الخزانة العامة، فلا بد من توسيع دور القطاع الخاص على ثلاثة محاور: الأول، أن يصبح القطاع الخاص المساهم الأكبر في "فاتورة الأجور" والموظف الأول للمواطنين، من خلال تطبيق استراتيجية التوظيف السعودية ضمن أطر زمنية محددة، وليس القصد هنا مجرد توظيف سعوديين بل تأهيل وتدريب وتطوير قدرات ومهارات السعوديين ليتمكنوا من ملء الشواغر في الوظائف الاختصاصية والمهنية والماهرة والتي لدى اقتصادنا الوطني عجز فيها يزيد على 2.3 مليون وظيفة (500 ألف اختصاصي و600 ألف مهني و1.2 مليون عامل ماهر) وهي الشريحة الأكثر استيعاباً للعمالة الوافدة العالية الأجر، وهي – كذلك - الشريحة الوظيفية التي تمنح مساراً وظيفياً وأفقاً لبناء الرأسمال البشري والحفاظ عليه في حياض اقتصادنا الوطني وتجنب تصديره بعد سنوات. وهذا أمر يتطلب أن نبذل جهداً جهيداً مرتكزاً إلى رؤية ثاقبة ورقابة صارمة، ولعل أفضل التجارب الوطنية ما شهده القطاع المصرفي السعودي، حتى وجدنا الآن القطاع ونسبة السعودة فيه مرتفعة من جانب (تتجاوز 90 بالمائة في بعض البنوك)، ويسيطر المواطنون على الوظائف في درجات السلم الوظيفي كافة ودونما استثناء، ورغم أن النسبة تهبط في الإدارة التنفيذية ولا سيما في وظائفها القيادية. وهذه النتيجة لم يتم التوصل لها إلا وفق رؤية واضحة وسياسات لا تستثني أحداً، فحققت مكسباً للوطن وللمواطنين. ثانياً، أن يصبح القطاع الخاص المستثمر الأساس في البنية الفوقية الإنتاجية، ولمشاريع بناء السعة الاقتصادية عبر تمويل المشاريع، بحيث يمول المشاريع ذات الجداول الإيرادية المستديمة، مثل مشاريع الماء والكهرباء والقطارات والمترو، والتي يدخل فيها القطاع الخاص وفق اتفاقات خصخصة طويلة المدى، وهذا يمكن التنمية من أن تستمر دون توقف، بغض النظر عن الإيرادات النفطية، باعتبار أن الاستثمار طويل المدى سيكون مهمة القطاع الخاص وليس الحكومة. مما يعني أن التوجه للخصخصة لا بد أن يأخذ منحى استراتيجيا متواصلا ومتواترا، لا يخفت إن ارتفعت إيرادات النفط، ولعل من المناسب أن نعيد العمل باستراتيجية الخصخصة التي سبق أن أقرت رسمياً. وبذلك ممكن أن تستمر وتيرة الانفاق على المشاريع من الاستمرار دون تباطؤ حتى في العام 2016، من منطلق أن القطاع الخاص سيحل محل الحكومة كممول للمشاريع، مثل مشاريع المترو التي لم ترسَ بعد في مدن عدا الرياض مثل حاضرتي الدماموجدة، وكذلك مشاريع الكهرباء ولا سيما التوليد، والتي كانت الحكومة قد دخلت في اتفاقات ناجحة مع عددٍ من التحالفات نتج عنها بناء محطات توليد عملاقة بالفعل، حيث بلغ حجم استثمارات القطاع الخاص في نشاط توليد الكهرباء 59.5 مليار ريال، حيث تسيطر شركات خاصة على ما نسبته 17% من محطات إنتاج الكهرباء البالغ عددها 70 محطة. ثالثاً، أن يمارس القطاع الخاص دوراً اجتماعياً مقنناً وفقاً لنظام تضعه الجهة المعنية في الحكومة، والسبب أن هناك تساؤلا يتكرر: ما الدور الاجتماعي للقطاع الخاص؟ وهل يتوقف الدور على رغبة منشأة القطاع الخاص أم أنه التزام عليها القيام به؟ وبالقطع فهو التزام على منشآت القطاع الخاص التصدي له من القيام بما درج على تسميته بالمسئولية الاجتماعية. والمسئولية الاجتماعية الممارسة لدينا أقرب ما يكون إلى العمل التطوعي الاختياري منه إلى كونه واجبا لا بد من القيام به. وحتى يقنن الواجب فلا بد من أن يوضع نظام بوسعنا تسميته "المسؤولية الاجتماعية لمنشآت القطاع الخاص"، فيه أحكام تقنن، بما يحقق توازناً بين ما تأخذه تلك المنشآت من مجتمعاتها وما تقدمه لها بالمقابل.