عليك أن تتوقع في كل مصيبة تحدث في هذه البلاد أن يكون هناك شامتون، وقد لا تستغرب كثيرا شماتة الغرباء؛ كون نواياهم واضحة ويقف دافع الحسد والغيرة وراءها في المقام الأول. لكن ستقف بشيء من العجب عندما ترى أولئك الشامتين بلغة ملتوية وبطريقة خاصة، أولئك الذين لا نستطيع أن نقول عنهم أغرابا ولا أحبابا.. ولا يعنينا بالتحديد من هم على اختلاف انتماءاتهم أو ولاءاتهم أو مللهم إلا تلك الفئة التي تبوأت منبرا إعلاميا يصل صوتها وكلمتها منه إلى الآلاف من المتلقين وأحيانا الملايين منهم. فهؤلاء كلمتهم محسوبة وخبثهم وشرورهم نفاذة خاصة تجاه فئات معينة من جمهور المستقبلين. وحتى تفهم طريقتهم الملتوية في طرح بعض الأفكار والآراء التي تقف خلفها نوايا التأليب تارة والشماتة تارة أخرى. وعليك أخذ حادثة «رافعة الحرم» وحادثة «التدافع العكسي في منى» فهما المقصد، فقد كانتا حادثتين أظهرتا من كانت نواياهم النقدية تحوم حول الإدانة وإثارة البلبلة ليس إلا، فالقلم الخبيث وحده من يسيل حبره لانتقاد جهود دولة وأمن لا يشكك في تفانيها إلا جاحد أو حاقد.. وبشكل عام، عندما تهم الدولة بمعالجة قضاياها التنظيمية والأمنية "الكبرى" فهي لا تنتظر حلولا أو نصائح من فرد لا يملك من المعلومات إلا نزرا يسيرا حولها حتى لو كان إعلاميا أو مختصا يملك اعتقادا حول ذاته بنجاعة ما يطرحه من حلول أو أفكار.. والمشكلة ليست فقط في الطرح الساذج أو حتى الخبيث إنما يمتد ليتشعب فئة "المستعرضين" تلك الفئة التي تنتقد لأجل لفت الأنظار والظهور بمظهر المصلح الأمين الذي لا يخشى في الحق لومة لائم؛ تماشيا مع أذواق بعض الجماهير التي لايروقها من الطرح الإعلامي والنقدي سوى اللغة الحادة التي لا تعرف إلا اتجاها احاديا متطرفا يرى الجانب السلبي في أي قضية تطرح.. ما يبعث على التفاؤل في هذا التخبط في الطرح الإعلامي، أن هناك نسبة في ارتفاع الوعي العام في الاتجاه الصحيح وطريقة تلقي المعلومة، فلم يعد مقبولا لدى الناس أن تطرح فكرة ملبسة بنوايا تأليبية معينة، فقد أصبح من السهل اصطياد نواياها الملتفة من كثيرين قادرين على تجريد الحقيقة وتتبع خبثها حتى أعماق نيتها الملوثة.. لم يعد المتلقي سلبيا خالصا يقدس الآراء النخبوية كما السابق، بل أصبح الجمهور قادرا على طرح رأيه عبر منابر اعلامية متعددة، هذا الرأي الجماهيري فيما يسمى بالمفهوم الإعلامي ب "الرأي العام" أصبح مؤثرا اكثر من الآراء الشخصية لمجموعة النخب الفكرية، وهذا ما جعل العدو يحاول فتح آلاف الحسابات بمعرفات وهمية في موقع "تويتر" ليخلق آراء متعددة حول قضايا الشأن العام والسياسي في المملكة.. ربما لا نحتاج توجيه رسالة لجمهور المتلقين في التنبه لتلك الاشكاليات بقدر ما نحتاج ان نوجه رسالة الى عموم المثقفين والاعلاميين ونخبة الرأي بأن رسالتهم للعامة يجب أن ترتقي بالقدر الذي ارتقى له الوعي العام، وعليهم تطوير أدواتهم الإقناعية بكثير من الموضوعية وليس العاطفية والأهم بنوايا حسنة، فلا يصطاد في الماء العكر، ويكون انتهازيا يدعي الوطنية وهو بلا وطنية بل وبلا إنسانية "وضمير محترم".