الانتهاك البشع لحرمة الأقصى من قبل التطرف الصهيوني ليس وليد اليوم، فهو مسلسل طويل منذ بواكير الاحتلال في العام 48 م، لكنه يأخذ اليوم شكلا مختلفا ليس هدفه استفزاز مشاعر الأمة الإسلامية وحسب، وإنما العمل على تنفيذ المخططات العبرية باتجاه تهويد القدس برمتها بما فيها الحرم القدسي الشريف ومسجد الصخرة توطئة لإقامة الهيكل عنوة، وذلك من خلال استغلال واقع الأمة اليوم، وانشغال دولها القائدة بما صُنع لها من أحداث ووقائع لإلهائها عن دورها الرئيس في حماية قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين، والتصدي لعبث الاحتلال وطغيانه الذي جاوز كل حد هذه الأيام، مطمئنا إلى أن قوى الأمة لديها ما يشغلها من المعارك والأحداث عن الانتصار للقدس ومقدساتها. وبعيدا عن نظرية المؤامرة، إلا أن ما يحدث الآن من اشغال واشعال المنطقة بحروب من كل الألوان والأشكال، وتفتيت لحمة الأمة في الخلافات الطائفية، ينبئ عن أن المستفيد الأكبر من كل ما يحدث هو الدولة الصهيونية، التي لم تكتف بهدم بيوت الفلسطينيين، وتجريف حقولهم، وقطع أشجارهم، واغتصاب أراضيهم، وإحلال سكان يهود في مساكنهم، وتطويق الأراضي العربية بالوحدات السكنية التي يجلب لها اليهود من كل مكان لتغيير ديموغرافية الأرض، وفرض أمر واقع، وصولا إلى هذه الانتهاكات الصارخة التي تمارسها دولة الاحتلال على مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي لا يحرك ساكنا، في ظل خفوت الصوت العربي، وغصته بهمومه ومشاكله التي فرضت عليه لتبديل أولوياته، خاصة مع وجود المزايدين في المقاومة والممانعة، والذين ساهموا بقوة عبر سياساتهم المذهبية وأحقادهم في جر المنطقة إلى هذا الحضيض، وإلهاء قواها الفاعلة عن التصدي للعدو الرئيس، وبالتالي السماح لإسرائيل لممارسة سياساتها العدوانية التي استباحت الكرامة العربية مثلما استباحت الأرض لتستأنف بناء مخططاتها على حساب الأمة ومقدساتها. وها هي إيران التي حملت لواء المقاومة، وأشعلت كل هذه الحروب في المنطقة من العراق إلى سوريا إلى اليمن والبحرين بدعوى العبور إلى القدس وتحريرها، ها هي الآن وباعترافها تتاخم إسرائيل من خلال تواجدها العسكري والسياسي في الأراضي السورية، وترى بالعين المجردة كل انتهاكاته لمقدسات المسلمين، ومع هذا تكتفي بإرسال التبريكات بالمناسبات الدينية اليهودية وعلى لسان أكبر قياداتها لشعب الله المختار، في أبرز فضيحة سقوط لقناع المقاومة الذي تبين بما يدع مجالا للشك أنه ما كان أكثر من حصان طروادة لتسكين الاحتلال، واشغال قوى الأمة بالحروب المفتعلة باسم تصدير الثورة، عن العمل وتوحيد الجهود للعناية بالقضية المركزية، والتصدي للانتهاكات الصهيونية، ولو كانت تلك الشعارات تمتلك الحد الأدنى من المصداقية فليس هنالك ذريعة أكبر من اقتحام الأقصى لمواجهة العدوان، والانتصار للقضية. وهنا يأتي بيان المملكة بلغته الصارمة حيال العدوان الإسرائيلي ليؤكد أن المملكة ومهما حاول البعض إلهائها عن قضية الأمة المركزية، إلا أنها لا يمكن أن تغفل لها عين عما يُحاك للأمة مهما كانت التحديات، وليسقط كل ذرائع المقاومة الزائفة التي تتفرج على ما يجري بعد أن هيأت له بحماقاتها وربما بإرادتها كل الظروف اللازمة لحدوثه.