هل نقع في مأزق ثقافي حقيقي أو يطالنا اللوم إذا خصصنا مساحة من صفحاتنا الثقافية لثقافة الطفل وبالتحديد الكتابة للطفل؟ سوف يستغرب البعض، أعرف أو سوف يشير البعض الى المجلات الهزيلة التي تصدر وتغمر الأسواق، وربما أجاب البعض منوها بالدور الضئيل الذي تقوم به صفحات الأسرة أو البراعم أو المجتمع، أو غير ذلك من الصفحات التي لا تعرف عن الطفل سوى صورة يعلق عليها ببعض السطور. إن تثقيف الطفل والكتابة له مسؤولية كبيرة يجب أن تقع على عاتق الذين يدركون أهمية وخطورة هذا الدور.. إننا يمكن أن نختزل مساحة من الكتابة الرديئة لنتيح لمن لهم القدرة والكفاءة والوعي، مساحة يتوجهون منها إلى الاطفال.. إننا فعلا في حاجة الى كتابة للطفل لا الكتابة من زاوية النظر من عين الطفل تتجه الى الكبار. إنني لا يمكن أن أنسى وكذلك غيري القراءات الأولى والحكايات التي شكلت الوجدان وحفرت على الثقافة في مراحل التكوين، يقول دستويفسكي: "أقوى الذكريات وأشدها تكون دائما ذكريات الطفولة"، ويقول جان جاك روسو في اعترافاته: "لا أدري كيف تعلمت القراءة.. أتذكر فقط الكتب الأولى وأثرها في نفسي". جراهام جرين الروائي الكبير يتساءل: "هل لدينا ما يضاهي انفعالات ومفاجآت تلك السنين الأربع عشرة من حياتنا؟". كتاب كبار أوقفوا حياتهم للأطفال؛ لأنهم يدركون الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه القراءة الأولى للطفل، فالسويد مثلا لن تنسى أبدا "هانز اندرسون" الذي استمتعنا بقصصه نحن هنا أيضا. ربما تكون الكتابة للاطفال عملا صعبا لأننا لم نفكر فيه، ولكننا لم نطرح سؤالا مثل لماذا لا نفكر؟ ولماذا لا نحاول؟.. بين يدي كتاب لكاتبة اوروبية تدعى "جوان أيكن" وهي أديبة كتبت العديد من الكتب والمسرحيات للأطفال ولها تجربة تصل إلى أكثر من خمسين كتابا للصغار والكبار، والكتاب الذي بين يدي لا يتجه الى الأطفال ولكنه يتجه إلى عالم الكبار وعنوانه "كيف تكتب للأطفال" وهو دليل كامل للمهارات الأساسية عن الكتابة للأطفال.. بالطبع إن قراءة الكتاب لن تجعلنا نمسك بالقلم بعد الانتهاء من القراءة لنكتب للطفل، وأعتقد أن بعض من كتبوا للطفل لم يقرأوا هذا الكتاب ولكن للكتاب أهميته في الأسئلة التي يطرحها والتي تمتد عبر صفحاته، انها أسئلة هامة تجيب هي عن بعضها وتترك لنا حرية الإجابة عن البعض الآخر. ثمة سؤال هام وضروري شغلني وأعتقد انه يشغل البعض وهو: هل تريد أن تكتب عن الأطفال، أم للأطفال؟ إن الاجابة على هذا السؤال بوضوح سوف تجعلنا نزيح الكثير من الكتب جانبا؛ لأنها لا تتوجه الى الطفل ولكنها تتحدث عنه.."جوان ايكن" تفتح لنا الطريق وتطلب أن نحدد قارئنا الذي نتوجه إليه، يجب أن يكون هذا القارئ محددا راسخا كالهدف.. إنه الطفل، وكما يقول "ديك وينس" تتمتع الطفولة بامتياز محدود من القوة، إذ تكون المعرفة ضيقة، والاهتمام ضيقا في موضوعات المعرفة وبذلك لا تتبدد الأحاسيس. وتلك ميزة تمنح إلى كاتب أدب الطفل الذي يتكئ على الخيال وبناء الشخصية المحدودة. الكتابة للطفل ليست سهلة وبسيطة ولكنها أيضا ليست صعبة ومعقدة إن الاجابة على سؤال: لماذا يكتب الناس للاطفال أجابت عليه "جوان ايكن" بما يفتح لنا المجال للتفكير في الكتابة للطفل، إن لدينا جميعا ما نرويه لهم ولكن كيف نرويه؟ محاولة الاقتراب من عالم الطفل والدافع القوي لرواية قصة نعتقد أنه سوف يستمتع بها، وفهم المساحة الزمنية القصيرة التي نطلق عليها مرحلة الطفولة، قد تقربنا من عالم الطفل وتيسر لنا محاولة الاقتراب من فكره وخياله. إن قوى وسائل الاتصال المرئي بأنواعها تحث الخطي لاجتذاب الطفل الى عالمها الذي لا يكون نافعا في الغالب، وربما يقود الى طرق لا نرضاها.. إن للأطفال احتياجات ضخمة يجب أن تلبى عن طريق الكتاب الجيد، الكتاب الذي يسد فجوات قد تؤدي في المستقبل الى عواقب وخيمة لو أهملناها. هذه دعوة الى الشعراء والكتاب والملاحق الثقافية لتولي مسؤولية هامة وكبيرة لا ندركها كثيرا، وهي ثقافة الطفل التي تشكل في المستقبل لبنة في الثقافة العامة للمجتمع.